لا بلاء أكبر من إعانة الله المعين

abo mussaab

Banned
إخوتي الكرام ما زلنا في سلسلة فن إحسان الظن بالله تعالى، ولا زلنا نبني حبنا لله على أسس سليمة، أولها تأمل أسماء الله وصفاته. قلنا أنك إن أتقنت التعامل مع البلاء فإنك ستفهم أسماء الله تعالى وصفاته أكثر وأكثر من خلال البلاء، وهذا سيفضي في المحصلة إلى تحويل البلاء إلى سبب لزيادة محبة الله تعالى.
في الحلقات الماضية تأملنا حكمة الله في البلاء ثم تودده لعباده بالبلاء. اليوم نتأمل صفة أخرى من صفات الله تعالى... ما هي هذه الصفة؟
أحياناً نعاني من مشكلة, لا نعلم كم تستمر وإلى أي مدىً ستتفاقم ... يشرق في نفوسنا الأمل بزوالها تنهج ألسنتنا بالدعاء ... لكن ما نلبث أن يعترينا الخوف ويتراءى لنا شبح اليأس عندما نفكر في أن بلاءنا سيطول ويشتد نخاف حينئذ ! لأننا ننظر في جوانب أنفسنا وحناياها فلا نجد فيها ما يعول عليه أن يصبرنا إذا وصل البلاء إلى الدرجة المخوفة. نتعامل مع المسألة بطريقة رياضية ... فإن كانت المصيبة مرضاً يخشى أن يؤدي إلى العمى مثلاً فإنا نعقد المعادلة التالية لتخيل المستقبل : أنا- بصر=إنسان تعيس
وإن كان إبنك في غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت فالمعادلة :
الحياة - ابني = حزن مستمر ... وهكذا
إننا ننسى في معادلتنا هذه عنصراً مهماً جداً وهو أن الصبر لن ينبع من جوانب نفسك الضعيفة عند حلول المصيبة أو اشتدادها ...إنما هو ينزل من عند الله تعالى! المعين لمن استعان به. اختلف العلماء في اعتبار المعين من أسماء الله، لكنه بلا شك من صفاته تعالى.

إذن فالصبر ينزل من عند ربنا المعين تماماً كما ينزل النصر ... ينزل الصبر من عند الله لينصرك في معركتك ضد اليأس والحزن... و((إن ينصركم الله فلا غالب لكم ))...
لاحظ: كما أن الله تعالى قال: ((وما النصر إلا من عند الله)) فقد قال: ((واصبر وما صبرك إلا بالله)). فتركيب الكلمات متشابه.
إنها حقيقة مهمة جداً! الصبر ينزل من عند الله و كذلك الأمان و السكينة... والشواهد لذلك كثيرة كقوله تعالى : ((ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة)) ,وقولة تعالى: ((فأنزل السكينة عليهم)), وقوله تعالى حكاية عن السحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام وهم على وشك أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبوا: ((ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين (126) ))...
ينزل الصبر كالمطر على القلوب المرتجفة الحرى فيسكنها ويبردها, وعلى العيون الدامعة فيكف دمعتها .
إنها ليست نفسك البشرية الضعيفة التي يعول عليها أن تختلق الصبر وتخوض المعركة! ... إنه الله المعين الذي يثبت: ((يثبت الله الذين آمنوا ))... وبما أنه الله الذي يثبت فليس هناك بلاء أكبر من تثبيت الله المعين, إنه الله تعالى الذي يربط على القلوب المرتجفة التي كادت تنخلع من الصدر حزناً أو خوفاً من المجهول... ((وربطنا على قلوبهم))...وحينئذ فلا شيء يخيف إن كان الله هو المعين.
أم موسى عليه السلام... ألقت ابنها في اليم, فترك وراءه قلباً فارغاً؛ قلب أم فقدت فلذة كبدها ... فنزل التثبيت من الله: ((وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين (10) )).
إذن فالصبر ينزل نزولا من عند الله المعين. وبالتالي، فالمعادلة لم تعد بالجمود الذي كنا نظنه, بل أصبحت :
أنا – بصر+ صبر من الله =إنسان راضٍ.
الحياة- ابني+ سكينة من الله = رضا احتساب وانطلاقة جديدة
- أخي! لسنا من الملاحدة الذين لا يؤمنون إلا بالظواهر المادية, بل نحن نؤمن أن الله معنا. ألسنا نقرأ في صلاتنا يوميا 17 مرة على الأقل: ((إياك نعبد وإياك نستعين))؟ هل خطر ببالك وأنت مبتلى أن تتأمل هذه الآية عند قراءتها وتتصور قوتك وأنت تستمد العون من الله تعالى أمام البلاء؟
- لا تقل لن أصبر، إن استعنت بالله أعانك. انظر إلى قوله تعالى: ((قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون))، وإلى ما حكاه عن يعقوب عليه السلام أنه قال: ((والله المستعان على ما تصفون))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإذا استعنت فاستعن بالله)).
- لا تقل لن أصبر! لا بلاء أكبر من إعانة المعين إن استعنت به بصدق. تذكر أهل الأخدود وسحرة فرعون وماشطة ابنته... كيف نزل عليهم صبر عظيم مقابل بلائهم الشديد بمجرد أن خالط الإيمان قلوبهم فطابت نفوسهم بالتضحية في سبيل الله مع أنهم عاشوا حياتهم قبل ذلك مشركين .فالذي صبرهم قادر على أن يصبرك إذا لجأت إليه .
لا تقل لن أصبر، فكل ما عليك فعله هو أن تستعين بربك الرحمن المستعان...قال عليه السلام في الحديث الذي رواه مسلم: ((ومن يصبر يصبره الله))
لا تقل لن أصبر، بل إن استعنت بالله فسينزل عليك الصبر بالمقدار المناسب ليطمئن قلبك, مهما كان حجم البلاء ,قال الله تعالى: ((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ومن يؤمن بالله يهد قلبه)) (التغابن11) أي: يهد قلبه للخير والصبر والرضا عند المصيبة.
لا تقل لن أصبر، بل انظر إلى هذا الحديث العظيم الذي يلخص حلقتنا:
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي صححه الألباني: ((إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة, وإن الصبر يأتي من الله على قدر المصيبة ))
لاحظ ألفاظ الحديث: ((إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة))...على قدر التكليف، ((وإن الصبر يأتي من الله على قدر المصيبة ))...الصبر يأتي من الله تعالى المعين، ليس من جوانب نفسك الضعيفة. بل من الله، وبأي مقدار؟ ((على قدر المصيبة))...بالمقدار المناسب.
خلاصة الحلقة: كل ما عليك فعله هو أن تتبرأ من حولك وقوتك، وتوقن أن ما لك إلا الله، فتستعين بالمعين، وتصلح علاقتك به تعالى لتكسب معيته، وحينئذ فلا بلاء أكبر من إعانة الله المعين.
 

Attachments

  • 483819_310947719034149_581228726_n.jpg
    483819_310947719034149_581228726_n.jpg
    55.6 KB · Views: 0
Top