إيمان الراعي الأسود

noor aldeen

Junior Member
بسم الله الرحمن الرحيم

جاء عبد أسود حبشي من أهل خيبر ، كان في غنم لسيده ، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح واستعدوا للقتال ، سألهم : ماتريدون ؟ قالوا : نريد أن نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي مرسل .
فوقع في نفسه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقبل بغنمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا تقول ؟ وما هو الشيء الذي تدعو إليه ؟
فقال عليه الصلاة والسلام : ( أدعو إلى الإسلام ، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وألا تعبد إلا الله ).
قال العبد : فمالي إن شهدت ، وآمنت بالله عز وجل ؟ قال : ( لك الجنة إن متَّ على ذلك ، فأسلم ، ثم قال : يانبي الله إن هذه الغنم عندي أمانة فماذا أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرجها من عندك وارمها ب ( الحصباء ) فإن الله سيؤدي عنك أمانتك ، ففعل ، فرجعت الغنم إلى سيدها ،وبعد دخول الغنم الى الحصن واذا بخروفيين يقفزن من قوق الحصن وتم ذبجهن من قبل احد المسلميين سبحان الله يرزقمن يشاء.. فعلم اليهودي أن غلامه قد أسلم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فوعظهم وحضَّهم على الجهاد ، فلما التقى المسلمون واليهود ، قُتل فيمن قُتل العبد الأسود بعد ان دل المسلميين على باب سري خلفي لدخول الى الحصن ، واحتمله المسلمون إلى معسكرهم ، فأدخل في الفسطاط ( وهو بيت من شعر ) ، اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفسطاط فرأى في داخله الراعي الأسود فأقبل على أصحابه وقال ( لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خيبر ولقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين ، ولم يُصلِِّ لله سجدة قط ) .
إنها قصة صغيرة لكنها على وجازتها تحمل من المعاني العميقة ، والدروس البليغة ما يحملنا على التوقف عندها ، إذ تطالعنا فيها صورة الداعية الصادق المؤثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي تنفذ كلماته إلى عقول وقلوب سامعيه فتغير أفكارها وتبدل مشاعرها ، وهكذا يكون تأثير الداعية قوياً وسريعاً إذا كان هو على قناعة تامة بالفكرة التي يحملها ، وعلى ثقة كبيرة بما يدعو إليه .
لقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته على ذاك الراعي عرضاً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، ولا تزييف فيه ولا إغراء ، فلم يَعِده بمال ولم يُغرِه بدنيا ، بل وعده بالجنة ، وما أعظمه من وعد وما أجلَّها من ثمرة ، لمَن يعرف قيمتها وقيمة هذه الحياة الدنيوية الفانية ، ولذلك كان الفوز الحقيقي بحسن الخاتمة والموت على الإيمان ، فليست العبرة بكثرة صلاة ولا صيام ، وإنما العبرة بالثبات على الإيمان الخالص بالله ورسوله واليوم الآخر .
هذا الإيمان القوي الذي إن خالطت بشاشته شغاف القلب ، ظهر أثره بسرعة في سلوك صاحبه استقامة وأمانة ، كما بدا ذلك في سلوك الراعي بعد إيمانه ودخوله في الإسلام ، فلقد كان حريصاً على أداء الأمانة التي تركت بين يديه قبل إسلامه ، فدله رسول الله صلى الله عليه وسلم على وسيلة يؤدي فيها أمانته .
ولقد جعل هذا الإيمان المكين صاحبه جندياً فدائياً يُلقي بنفسه في ميدان الجهاد والقتال في سبيل الله ، وليكون شهيداً في تلك المعركة التي حضَّهم على خوضها رسول الله عليه الصلاة والسلام .
فالإيمان الصحيح الراسخ يفعل الأعاجيب ، وهو الأساس في كل عمل ، وهو الذي يَجُبُّ ماقبله ، ومثله التوبة الصادقة يمحو الله بهما الخطايا ، ويغفر الذنوب ويرفع الدرجات ، كما كان من أمر ذاك الراعي الأسود الذي بشَّر رسول الله الصحابة بأن الحور العين تحفُّ رأسه بعد استشهاده مع أنه لم يصلِّ لله سجدة قط .
يالها من قصة معبرة ، تجعلنا حريصين على هذا الإيمان الذي أكرمنا الله به، والثبات عليه وتغذيته وتقويته ، بحضور مجالس العلم والذكر وتلاوة القرآن الكريم والجلوس مع الرجال الصالحين الصادقين ، الذين نستفيد من كلامهم علماً نافعاً ، ومن حالهم وأخلاقهم
سلوكاً مُغيِّراً ودافعاً
 
Top