دلائل النبوة

islamisthesolution

Junior Member
مفصل دلائل النبوة (1)


إيمان ذوي العقول وأهل الألباب من كل أمة بالرسول صلى الله عليه وسلم

اعلم رحمني الله وإياك أن من دلائل نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم هي مسارعة أهل العقول الراجحة، وأولي الألباب من كل أمة وملة ودين إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وترك ما كانوا عليه من الجاهلية والكفر وما زال هذا دأب الناس معه منذ بعثته وإلى يومنا هذا.

وهؤلاء أهل العقول الراجحة الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما آمنوا عن دليل وبرهان ولم يأخذوا الأمر تقليداً واتباعاً وسنعرض نماذج من هؤلاء الذين التقوا الرسول وناقشوا معه دليل نبوته واتبعوا دينه، وكذلك ممن شهد له بالصدق والحق ولم يتبعه إيثاراً للملك كهرقل أو اشفاقاً من مفارقة قومه وجماعته كبعض أحبار اليهود.

إسلام الصديق عن دليل برهان:

فالصديق أبو بكر الذي هو أول الرجال إيماناً كان إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم عن دليل وبرهان، فإنه قد صادق النبي قبل أن يبعث وعرف من أخلاقه وشمائله أنه ليس بكذاب وأنه يستحيل عقـلاً أن يعيش رجل أربعين عاماً من عمره لا تعرف عنه كذبه ثم يشرع بعد ذلك في الكذب على الله الذي هو أشنع الكذب. والكذب على الناس، وكذلك علم أبو بكر يقيناً أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم منـزه عن الغرض ويستحيل أن يكون له دخيلة أو يكون ممن يظهر خلاف ما يبطن ولذلك أسرع إلى الإيمان به عن ثقة ويقين، وقد كان لكل أحد وقفة تردد في قبول دعوة الرسول إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فإنه ما علم أن دعاه النبي إلى الإسلام حتى بادر بالشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما دعوت أحداً للإسلام إلا كانت له إلا أبا بكر..]

وروى الإمام البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أما صاحبكم فقد غامر فسلم ]، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك، فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر. فسأل أَثَمَّ أبو بكر؟ فقال: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه. فقال: يا رسول الله: والله أنا كنت أظلم مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الله بعثني إليكم، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله. فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها] (رواه البخاري)

والشاهد أن إسـلام الصديق -وهو أول الناس إسلاماً- كان عن يقين ودليل وبرهان تحقق لأبي بكر بفضل الصحبة الطويلة قبل البعثة والمعرفة اليقينية بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقـد كان ثبات الصديق على هذا الدين، وضربه المثال الكامل للمؤمن الصديق، وتطبيقه الرائع الفريد لحقائق الدين وقيمه، دليل على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

إسلام خديجة رضي الله عنها عن دليل وبرهان:

وكذلك كان إسلام أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فإنها قالت للنبي عندما قص عليها خبر ما رآه في الغار وقال لها الرسول: [لقد خشيت على نفسي] ولم يكن الرسول يعلم مَنْ هذا الذي نزل عليه في الغار ولا ما كان يريد.

فقالت خديجة رضي الله عنها له: (لا والله لا يخزيك الله أبداً فإنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعلوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق) (رواه البخاري)

ثم لما ذهبت به إلى ورقة بن نوفل رضي الله عنه وأخبرهما أن هذا هو الناموس الذي نزل على موسى كان هذا شهادة كذلك من رجل عليم بالرسالات.

ومن أجل ذلك كانت خديجة رضي الله عنها أول امرأة أسلمت بل لعلها أول إنسان آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم وكان إيمانها عن دليل وبرهان ولم يكن مجرد تقليد واتباع لزوج.

ولا برهان أعظم مما رأته في النبي صلى الله عليه وسلم فقد عرفت فيه الصدق والأمانة وصلة الرحم وحسن الخلق والرحمة بالخلق ومثل هذا لا يخزيه الله أبداً.

إسلام السابقين من المؤمنين عن دليل وبرهان:

وهكذا الشأن في السابقين الأولين من الذين عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته فإن قريشاً كلها لم يجربوا عليه كذباً،بل وكل من تعامل بالنبي بمعاملة بيع أو شراء عرف في النبي صلى الله عليه وسلم الصدق والأمانة. ولذلك لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ويخبر أنه رسوله بادروا إلى الإيمان به، عن دليل، وبرهان، وأنضاف إلى ذلك مسارعة أمثال الصديق إلى الإيمان فإن تصديق الصادقين دليل صدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصادق يصدقه الصادقون وأما الكذاب فإنه لا يصدقه ولو ظاهراً إلا من كان على شاكلته من أهل الكذب.

كيف أسلم من لم يكن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة:

وأما من لم يكن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فإن أهل العقل والحجى منهم لم يؤمنوا بالنبي حتى علموا دلائل نبوته.

وذلك أن قوم النبي صلى الله عليه وسلم اختلفت مقالتهم فيه فمنهم من آمن به ومنهم من كفر به وهم السواد الأعظم. وهؤلاء الذين كفروا به شنعوا عليه بالباطل فتارة يقولون ساحر، وتارة يقولون كاهن، وتارة يقولون مجنون، وأخرى يقولون شاعر. وفي كل ذلك يرمونه بالكذب والإفك.

وهذا ما حمل أهل العقل والحجى من قبائل العرب خارج مكة ومن عقلاء اليهود والنصارى أن ينظروا في دلائل النبوة ويتحققوا هل هو فعلاً رسول الله حقاً وصدقاً كما يقول هو ومن آمن به أم هو كما يقول الذين كذبوه وعاندوه.

وقد سـارع كل ذي عقل ولب من هؤلاء إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وهذه نماذج هؤلاء:

(1) إسلام أبي ذر رضي الله عنه:

وأبو ذر رضي الله عنه نسيج وحده، ونموذج فريد من البشر كان باحثاً عن الحق قبل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، ودله بحثه على الإيمان بالله والإسلام له، ولما التقى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه طابق دليل النبوة فطرته السليمة، وتشوقه إلى الحق، وما علم أبو ذر الحق استعذب العذاب في سبيله.

قال البخاري رحمه الله: حدثنا عمرو بن عباس حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن المثنى عن أبي حمزة عن ابن عباس قال لما بلغ أبا ذر نبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدم وسمع من كلامه ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ،وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني مما أردت، فتزود وحمل شَنْةً فيها مـاء، حتى قدم مكة فأتى المسجد، فالتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه وكـره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل اضطجع. فرآه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرف أنه غريب فلما رآه تبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به علي فقال: أما آن للرجل يعلم منزله!! فأقامه فذهب به، لا يسأل واحداً منهما صاحبه عن شيء حتى إذا كان يوم الثالث، فعاد على مثل ذلك فأقام معه، فقال: ألا تحدثني بالذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، قال: فإنه حق، وإنه رسـول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، وإن مضيت فاتبعني، حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه فسمع من قوله وأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ارجـع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري] فقال: والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلا صوته: أشهد لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم قـام فضربوه حتى أضجعوه. فأتى العباس فأكب عليه فقال: ويلكم ألم تعلموا أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام. فأنقذه منهم. ثم عاد من الغد بمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه (هذا لفظ البخاري).

وقد جاء خبر إسلامه مبسوطاً في صحيح مسلم وغيره فقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن هبة الله بن الصامت قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار -وكان يحلون الشهر الحرام- أنا وأخي أنيس وأمنا فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا فحسدنا قومه فقالوا له: إنك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس، فجاء خالنا فنثى ما قيل له (أي عابنا وذمنا وصدق الذي قالوه عنا)!! فقلت له: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته ولا جماع لنا فيما بعد.

قال: فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى خالنا بثوبه وجعل يبكي. قال: فانطلقا حتى نزلنا محضرة مكة قال فقامر أنيس عن صرمتنا وعن مثليها، فأتينا الكاهن فَخَيّر أنيساً فأتانا بصرمتنا ومثلها وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، قال: قلت لمن؟ قال: لله. قلت: فأين توجه. قـال: حيث وجهني الله. قال: واصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقى كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. قال: فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فألقني حتى آتيك قال: فانطلق فراث علي ثم أتاني. فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلاً يزعم أن الله أرسله على دينك، قال: فما يقول الناس له؟ قال: يقولون إنه شاعر وساحر وكان أنيس شاعراً. قال: فقال لقد سمعت الكهان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على إقراء الشعر فوالله ما يلتم لسان أحد أنه شعر، ووالله إنه لصادق وإنهم لكاذبون. قال: فقلت له هل أنت كافيني حتى انطلق؟ قال: نعم، وكن من أهل مكة على حذر، فإنهم قد شنعوا له وتجهموا له.

قال: فانطلقت حتى قدمت مكة فتضعفت رجلاً منهم فقلت: أين هذا الرجل الذي يدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلي، فمال أهل الوادي علي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي!! ثم ارتفعت حين ارتفعت كأني نُصُبٌ أحمر فأتيت زمزم فشربت من مائها وغسلت عني الدم ودخلت بين الكعبة وأستارها فلبثت به يا ابن أخي ثلاثين من يوم وليلة مالي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع.

قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء أضحيان وضرب الله على أشحمة أهل مكة فما يطوف بالبيت غير امرأتين فأتتا علي وهما يدعوان أساف ونائلة. فقلت: انكحوا أحدهما الآخر فما ثناهما ذلك فقلت: وهن مثل الخشبة غير أني لم أركن!! قال: فانطلقتا تولولان، ويقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارنا قال فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان من الجبل فقـال مالكما؟ فقالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها قالا ما قال لكما؟ قالتا قال لنا كلمة تملأ الفم!!

قال: وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت ثم صلى. قال: فأتيته فكنت أول من حياه بتحية أهل الإسلام. فقال: [عليك السلام ورحمة الله من أنت؟] قال: قلت من غفار!! قال فاهوى بيده فوضعهما على جبهته. قال: فقلت في نفسي كره أن انتميت إلى غفـار، قال فأردت أن آخذ بيده، فقذفني صاحبه، وكان أعلم به مني، قال: [متى كنت ههنا؟] قال: قلت: كنت ههنا منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم. قال: [فمن كان يطعمك؟] قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمـزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قـال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنها مباركة إنها طعام طعم] قال: فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة قال: ففعل.

قال: فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم، وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر باباً فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، وقال فكان ذلك أول طعام أكلته بها، فلبثت ما لبثت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إني قد وُجِّهتُ إلى أرض ذات نخل ولا أحسبها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟].

قال: فانطلقت حتى أتيت أخي أنيساً، قال: فقال لي ما صنعت؟ قال: قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت، قال: فما بي رغبة عن دينك فأني قد أسلمت وصدقت. ثم أتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فإني قد أسلمت وصدقت.

فتحملنا حتى أتينا قومنا غفار، قال: فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان يؤمهم خفاف بن إيما بن رخصة الغفاري وكان سيدهم يومئذ، وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا!! قال فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم بقيتهم. قال: وجاءت أسلم فقالوا يا رسول الله إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله] ورواه مسلم عن هدبة بن خالد عن سليمان بن المغيرة به نحوه.

إسلام ضماد رضي الله عنه:

وهذا رجل آخر من ازدشنوءة كان خبيراً بالرقى وعليماً بكلام العرب فانظر كيف كان إسلامه:

روى مسلم والبيهقي من حديث داود بن أبي هند بن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال: قدم ضماد مكة وهو رجل من أزدشنوءة وكان يرقي من هذه الرياح فسمع سفهاء من سفهـاء مكة يقولون: إن محمداً مجنون. فقال: أين هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي؟

قال: فلقيت محمداً فقلت: إني أرقي من هذه الرياح، وأن الله يشفي على يدي من شاء فهلم!! فقال محمـد صلى الله عليه وسلم: [إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات] فقال ضماد: والله لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات فهلم يدك أبايعك على الإسلام فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: [وعلى قومك فقال وعلى قومي. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فمروا بقوم ضماد فقال صاحب الجيش للسرية: هل أصبتم من هؤلاء القوم شيئاً؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم هذه المطهرة. فقال: ردوها عليهم فإنهم قوم ضماد.

وفي رواية فقال له ضماد: أعد علي كلماتك هؤلاء فلقد بلغن قاموس البحر!!

قلت: إذا نظرت في الدليل الذي أسلم عليه ضماد عرفت أنه من أقوى الأدلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كلمات في معاني الربوبية لم يسمع هذا الرجل العليم بالرقى بمثلها قط، وعلم أنها من الحق الذي لا يصل إليها إلا نبي فهي في عمق معناها، وكمال ألفاظها قد بلغت قاموس البحر أي هي عمق المعنى وغزارته في عمق البحر وكثرة مائه.

إسلام النجاشي رضي الله عنه:

النجاشي ملك الحبشة كان على دين عيسى بن مريم وهو رجل عميق في هذا الدين، وعلى علم بالرسالات، وكان إسلامه دليلاً على أن ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم حق وصدق.

قال الإمام أحمـد رحمه الله: "ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن مسلم بن أبي عبيدة بن شهاب عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار: النجاشي آمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نُؤْذَى ولا نسمع شيئاً نكرهه.

فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلى النجـاشي فينا رجلين جَلْدَين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة وكان أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم (أي الجلود)، فجمعوا له أدماً كثيراً ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك مع عبدالله بن ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم.

ثم قدموا للنجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي. ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهـاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم. وقد بعثنا إلى الملك أنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجـاءوا لدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهـم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه!! قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلم بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليه، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم قال: فغضب النجاشي ثم قال: لا ها الله!! أيم الله إذاً لا أسلمهم إليهما، ولا أطرد قومـاً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم فأن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني.

قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم.

فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا: نقول له والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن.

فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟

قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك: كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسـولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وآداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدمـاء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.

قال: فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه، وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا.

فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثـان من عبادة الله. وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا فخرجنا إلى بلدك واخترناك على من سـواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك!!

قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شئ؟ قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشي: إقرأ علي. فقرأ عليه (صدراً) من{كهيعص}. قالت: "فبكى والله النجاشي حتى اخضل لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة!! انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً ولا أكاد.

قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله (لأنبئنهم) غداً عيبهم عندهم ثم استأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة -وكان أتقى الرجلين فينا-: لا تفعل فإن لهم أرحاماً وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه الغـد. فقال له: أيها الملك انهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه.

قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثله فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا كائناً في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالب: نقـول فيه الذي جاء به نبينا هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العـذراء البتول. قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله! اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنون- من سبكم غرم. فما أحب أن لي دبراً ذهباً وأني آذيت رجلاً منكم -والدبر بلسان الحبشة الجعل- ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس فأطيعهم فيه.

قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.

قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به يعني من ينازعـه في ملكه. قالت: فوالله ما علمنا حزناً قط كان أشد من حزن حزناه عنده ذلك تخوفاً أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه.

قالت وسار النجاشي وبينهما عرض النيل. قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر. قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا. قالت: وكان من أحدث القوم سناً. قالت: فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم. قالت ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.

رواية أخرى:

قال الإمام عبد الله بن محمد بن أبي شيبة رحمه الله: حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل عن أبي اسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى النجاشي قال فبلغ ذلك قومنا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدية فقدمنا وقـدما على النجاشي فأتوه بهدية فقبلها وسجدوا، ثم قال له عمرو بن العاص: إن قومنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك فقال لهم النجاشي: في أرضي؟ قالوا: نعم. فبعث إلينا فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم. قال: فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون والرهبان سماطين، وقد قال له عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون لك. قال: فلما انتهينا إليه أخبرنا من عنده من القسيسين والرهبان اسجدوا للملك فقال جعفر: لا نسجد إلا لله، فلما انتهينا إلى النجاشي قال: ما يمنعك أن تسجد.

قال: لا نسجد إلا لله. قال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم {برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً ونقيم الصـلاة ونؤتي الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر. فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبك في ابن مريم؟ قال: يقول فيه قول الله، هو روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء التي لم يقر بها بشر. قال: فتناول النجاشي عوداً من الأرض فقال: يا معشر القسيسين والرهبان: ما يزيد ما يقـول هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه!! مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده. فأنا أشهد أن رسول الله والذي بشر به عيسى بن مريم ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه!! امكثوا في أرضي ما شئتم. وأمر لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهما.

مكيدة لعمرو بن العاص لرفيقه عمارة بن الوليد:

قال: وكان عمرو بن العاص رجلاً قصيراً وكان عمارة بن الوليد رجلاً جميلاً. قال فأقبلا في البحـر للنجاشي قال: فشربوا. قال: ومع عمرو بن العاص امرأته فلما شربوا الخمر قال عمارة لعمرو مر امرأتك فلتقبلني، فقال له عمرو: ألا تستحي؟! فأخذه عمارة فرمى به في البحر فجعل عمرو يناشده حتى أدخله السفينة فحقد عليه عمرو ذلك، فقال عمرو للنجاشي: إنك إذا خرجت خلف عمارة في أهلك. قال: فدعا النجاشي بعمارة فنفخ في احليله فصار مع الوحش!!
 

islamisthesolution

Junior Member
مفصل دلائل النبوة (2)


إيمان ذوي العقول وأهل الألباب من كل أمة بالرسول صلى الله عليه وسلم

وهذه طائفة أخرى من الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى ومشركي العرب بعد سطوع آيات النبوة.

سلمان الفارسي رضي الله عنه:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لو كان الدين بالثريا لأدركه أقوام من هؤلاء]

قصة إسلامه واستدلاله على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال الإمام أحمـد رحمه الله: ثنا أبي عن أبي إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمـود بن لبيد عن عبدالله بن عباس قال حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال: كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها (جي)، وكان أبي دهقان قريته (أي القائم على النار)، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، وأجهدت في المجوسية حتى كنت قَطِنَ النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. قال: وكان لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له يوماً، فقـال لي: يا بني إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبت في أمرهم وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله. قال فلما جئته قال: أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت مررت بالناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بني. ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه. قـال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا. قال: فخافني فجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته.

قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام، تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشـام، تجار من النصارى فأخبروني بهم قال: قلت: إذا قضوا حوايجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشـام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة.

قـال: فجئته فقلت: إني أرغب في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك. قال: فادخل. فدخلت معه. قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئاً. قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت أنا أدلكم على كنزه، قالـوا: فدلنا عليه، قال:فأريتهم موضعه. قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبداً، فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة، ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه.

قال: يقول سلمان فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلاً ونهاراً منه. قال: فأحببته حباً لم أحبه من قبله، وأقمت معه زماناً، ثم حضرته الوفـاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حباً لم أحبه أحداً من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه. لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه فالحق به.

قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل. فقلت له: يا فلان إن فلاناً أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي. فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلاناً أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين، وهو فلان فالحق به.

قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته، فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي. قال: فأقم عندي. فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له: يا فلان كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قـال: أي بني والله ما نعلم أحداً بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته. قال: فإنه على أمرنا.

قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي. فأقمت مع رجل على هدى أصحابه وأمرهم. قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان فأوصي فلان إلى فلان، وأوصي بي فـلان إلى فلان، ثم أوصى فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإذا استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.

قـال: ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجاراً فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم. فأعطيتموها ورجوت أن تكون البلد، وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجـل من يهودي عبداً، فكنت، ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم ابن عم له من المدينة من بني قريظـة فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقـال فلان: قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي. قال: فلما سمعتها أخذتني العُرَواء حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، قال: ونزلت على النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا أقبل على عملك!!. قال: قلت: لا شئ إنما أردت أن استثبت عما قال. وقد كان عندي شيء. قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: أنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقربته إليه فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا. وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت: في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئاً وتحول رسول اله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئت به فقلت: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد. قال وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى استدرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحول!! فتحولت فقصصت عليه حديثي، كما حدثتك يا ابن عباس.

قال فأعجب رسـول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد.

قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب يا سليمان. فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل، الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر يعني الرجل وما يقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته فخرج رسـول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها، فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي علي المال فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاج من ذهب من بعض المغازي، فقـال: ما فعل الفارسي المكاتب؟ قال فدعيت له فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان. فقلت: وأين تقع هذه يا رسـول الله مما علي. قال خذها، فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك. قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم، وأعتقت فشهدت مع رسـول الله صلى الله عليه وسلم الخنـدق ثم لم يفتني معه مشهد.

قلت: هذه القصة المليئة بالعبر، والشاهد فيها أن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قد انتفى منه الغرض الدنيوي، وطلب الدين لله لا لحظ نفسه، ولاقى في سبيل الله ما لاقى من ترك أهله ووطنه، والدنيا التي كان فيها، وتتبع بقايا رهبان النصارى حتى فنوا وانقرضوا، ثم هداه الله إلى الإسـلام، وتعرف على النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الدليل الذي صحبهمعه، وبقي سلمان على الإسلام حتى أصبح بعد ذلك أميراً على العراق بعد أن فتحها الله للمسلمين، وكان سلمان في كل حياته زاهداً في الدنيا باحثاً عن الحق وإيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم دليل صدق وشاهد عدل{قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}.

عبدالله بن سلام سيد اليهود وعالمهم بالمدينة المنورة:

قـال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن زرارة عن عبدالله بن سلام. قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة احتفل الناس فكنت فيمن احتفل، فلما تبينت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب!! فكان أول شيء سمعته يقـول: [افشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام. تدخلوا الجنة بسلام] (رواه الترمذي وابن ماجه من طرق عن عوف الأعرابي عن زرارة بن أبي أوفى به عنه).

وقال الترمذي صحيح، ومقتضى هذا السياق أنه سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ورآه أول قدومه حين أناخ عند دار أبي أيوب عند ارتحاله من قباء إلى دار بني النجار كما تقدم فلعله رآه أول ما رآه بقباء، واجتمع به بعد ما صار إلى دار بني النجار، والله أعلم.

وفي سياق البخاري من طريق عبدالعزيز عن أنس. قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم جاء عبدالله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق. وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهـم فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت. فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في.

فأرسـل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود فدخلوا عليه. فقال لهم: [يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً وأني جئتكم بحق فأسلموا] قالوا: ما نعلمه!! قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قالها ثلاث مرار. قال: [فأي رجل فيكم عبدالله بن سلام؟] قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: [أفرأيتم إن أسلم]، قالوا حاشى لله ما كان ليسلم. قال: [يا ابن سلام اخرج عليهم] فخرج فقال: يا معشر يهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بالحق. فقالوا: كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. (هذا لفظه)

وفي رواية: فلما خرج عليهم شهد شهادة الحق قالوا: شَرُّنا وابن شَرِّنا، وتنقصوه، فقال: يا رسول الله هذا الذي كنت أخاف!!

وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ أخبرنا الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ثنا عبدالله بن أبي بكر ثنا حميد عن أنس. قال: سمع عبدالله بن سلام بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أرض له - فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟

قال: [أخبرني بهن جبريل آنفاً]. قال: جبريل؟ قال: [نعم]، قال: عدو اليهود من الملائكة. ثم قرأ{قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله} قـال: [أما أول أشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق تسوقهم إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نَزَعَ الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد].

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني.

فجاءت اليهود، فقال: [أي رجل عبدالله فيكم؟] قالوا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. قال: [أرأيتم إن أسلم؟]، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبدالله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله. قالوا شرنا وابن شرنا وانتقصوه. قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. (رواه البخاري عن عبدالله بن منير عن عبدالله بن أبي بكر به ورواه عن حامد بن عمر عن بشر بن المفضل عن حميد به).

قال محمد بن اسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر عن يحيى بن عبدالله عن رجل من آل عبدالله بن سلام. قال: كان من حديث عبدالله بن سلام حين أسلم، وكان حبراً عالماً. قال: لما سمعت برسول الله، وعرفت صفته واسمه وهيئته و(زمانه) الذي كنا نتوكف له، فكنت بقباء مسراً بذلك صامتاً عليه حتى قـدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت، فقالت عمتي حين سمعت تكبيري لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت، قال: قلت لها أي عمة. والله هو أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به. قال: فقالت له: يا ابن أخي أهو الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: قلت لها: نعم، قالت: فذاك إذاً.

قال: فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا وكتمت إسلامي من اليهود وقلت: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك لتغيبني عنهم، ثم تسألهم عني فيخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي فإنهم إن يعلموا بذلك بهتوني وعابوني، (وذكر نحو ما تقدم). قال: فاظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث.

وقـال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني عبدالله بن أبي بكر حدثني محدث عن صفية بنت حيي قالت: لم يكن أحـد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني، لم ألقاهما في ولد لهما قط اهش إليهما إلا أخذاني دونه، فلما قـدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء (قرية بني عمرو بن عوف) غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسين، فوالله ما جاآنا إلا مع مغيب الشمس فجاآنا فاتِرَيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا، فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلى واحـد منهما!! فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله! قال: تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله! قال: فماذا في نفسك منه؟ قال عداوته والله ما بقيت!!

وذكـر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادثه، ثم رجع إلى قومه فقال: يا قـوم أطيعوني فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون فاتبعوه ولا تخالفوه، فانطلق أخوه حيي بن أخطب وهو يومئذ سيد اليهـود، وهما من بني النضير، فجلس حيي بن أخطب إلى رسول الله وسمع منه، ثم رجع إلى قومه وكان فيهم مطاعاً فقال: أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدواً أبداً. فقـال له أخوه أبو ياسر: يا ابن أم أطعني في هذا الأمر، واعصني فيما شئت بعده لا تهلك، قال: لا والله لا أطيعك أبداً، واستحوذ عليه الشيطان واتبعه قومه على رأيه.

قلت (أي الزهري): أما أبو ياسر بن الأخطب فلا أدري ما آل إليه أمره، وأما حيي بن أخطب والد صفية بنت حيي فشرب عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يزل ذلك دأبه لعنه الله حتى قتل صبراً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل مقاتلة بني قريظة.

هرقل قيصر الروم الأكبر ورئيس الكنيسة الشرقية:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن عبدالله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟

فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً.

فقال: ادنوه مني وقربوا أصحـابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال ترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عليه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟

قلت: هو فينا ذو نسب.

قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا.

قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا.

قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم.

قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون.

قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا.

قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.

قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة.

قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم.

قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا سجال ينال منا وننال منه.

قال: بماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.

فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول. فذكرت أن لا. فقلت: لو أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا. قلت: لو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا. وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغـدر؟ فذكرت أن لا. وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه!!! ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك (بدعاية) الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين {يا أهل الكتاب تعالـوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}

قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا. فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمِرَ أَمْرُ بن أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الأصفـر فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله عَلَيَّ الإسلام.

وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل سقفاً على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم أيلياء أصبح يوماً خبيث النفس فقـال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك. قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود.

فبينا هم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظر إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم.

وسار هرقل إلى حمص فلم ير حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي. فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب!!! فوجدوها قد غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي. وقال إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت. فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل.

ومن دلالات هذا الحديث:

1) يقين هرقل بأن محمداً هو رسول الله الخاتم حقاً وصدقاً وأنه سيملك أرض بيت المقدس وقد وقع هذا تماماً كما توقعه هرقل حيث قال لأبي سفيان (لئن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين).

2) الذي منع هرقل من إعلان الإيمان ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم هو نفرة الروم وتعصبهم لدينهم الباطل وقد ضنَّ هرقل بملكه وخشى إن أظهر الإسلام أن يفقد سلطانه فبقي على كفره إلى أن مات عليه بعد أن طاردته خيل المسلمين بعد موقعة اليرموك.

3) أسلم ابن الناطور وكان قرين هرقل في العلم بدين النصرانية وكان حاضراً الأسئلة التي وجهها هرقل لأبي سفيان، وشهد ابن الناطور ظهور الإسلام ودخول المسلمين إلى بلاد الشام وهو الذي حدث بما كان من شأن قريش عندما جمعهم في حمص.

فشهادة هرقل بأن محمداً هو رسول الله حقاً وصدقاً إنما كانت شهادة عن يقين وبرهان وليس تقليداً وظناً وتخمنياً، ولكن الله سبحانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
 

islamisthesolution

Junior Member
مفصل دلائل النبوة (3)


المعجزات وخوارق العادات التي جرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم


ليس هناك من رسول أجرى الله على يديه من خوارق العادات وأيده بالمعجزات ما أجرى الله على يد محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وهذا تفصيل لبعض هذه المعجزات التي هي من قبيل خرق العـادة، وإظهار الكرامة، وتمام النعمة، والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالفضل والنبوة.

وقبل هذا لا بد من مقدمة:

تعريف خرق العادة:

خرق العادة هو حدوث أمر ما على غير السنة الجارية، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء حدّاً ومقداراً وسنة متبعة، وربط كل شيء بأسبابه، وكل ما ظهر خلاف السنن الجارية يكون خارقـاً للعادة، فالإنسان مثلاً مخلوق يمكنه السير على الأرض ولا يمكنه الطيران بغير جناحين أو آلة يطير بها في الهواء، فلو أن إنساناً استطاع أن يطير في الهواء بغير آلة وبغير جناحين لقلنا خرقت له العادة، وكذلك إذا استطاع أن يمشي على الماء لقلنا خرقت له العادة.

وخرق العادة له أحوال ودرجات أربعة هي:

(1) أن تجري العادة على وجه التحدي والإعجاز، ولا يكون هذا إلا لنبي وتسمى المعجزة، وآيات الرسل من هذا القبيل كما أيد الله بموسى بمجموعة من المعجزات، وكذلك عيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

(2) أن تخرق العادة لرجل صالح وهذه من باب الكرامة، وقد وقع هذا ولا يزال لصالحي أهل الإيمان في كل أمة ويبقى إلى قيام الساعة.

(3) خرق العادة لفاجر أو كافر ويكون هذا من باب ابتلاء الله عباده ليفرقوا بين أولياء الله وأولياء الشياطين كما وقع هذا لكثير من مدعى النبوة، فقد كان للأسود العنسي ومسيلمة الكذاب خوارق للعادات. وكما يقع من خوارق العادات على يد المسيح الكذاب فإنه يقول للسماء امطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخـرج كنوزها، ويقتل رجلاً بسيفه ثم يحييه، وكما يقع هذا لكثير من أولياء الشياطين.

(4) خرق العادة الذي هـو باب الشعبذة والتخييل والكذب وهذا يفعله السحرة، والكذابون، وهي أمور تعتمد على الحيلة، وسرعة الحركة، والتخييل، كما فعله سحرة فرعون حيث جاءوا بسحر عظيم. قال تعالى: {فسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}.

حتى إن موسى عليه السلام خشي أن تنطلي حيلتهم على الناس جميعاً، وتبطل آية الله مع ما جاءوا به من السحر. قال تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى}، وهذا السحر والتخييل ليس من باب خرق العادة، ولكنه يظهر للناس أنه أمر خارق للعـادة وليس كذلك، فإن السحر لا يغير حقائق الأشياء ولا طبائعها، وإنما يغير فقط نظر الناس إليها فيبصرون الأمر على غير حقيقته.

هذه هي خوارق العادة الأربعة: المعجزة للرسل، والكرامة للصالحين، وخرق العادة لبعض أولياء الشياطين من مدعي الإلهية والنبوة، والسحر والشعبذة والتخييل والكذب وهو ما يجري على أيدي السحرة والكذابين.

خوارق العادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً:

وما أجـراه الله على يد الرسول صلى الله عليه وسلم من خوارق العادة كثيرة جداً، وجميعه من بركات النبي صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته وآيات صدقه، ومن أنواع الرحمات التي أنزلها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم.

فمن ذلك: تكثير الماء القليل ليكون ماءاً كثيراً، وتكثير الطعام القليل ليكفي جيشاً كاملاً ونزول المطر بدعائه في التو والحال، وارتفاعه بدعائه في التو والحال، وتسبيح الحصا في يده، وحنين الجـذع إليه، ومجيء الشجرة إليه تخد الأرض خداً ورجوعها إلى مكانها بأمره، وتكثير المقدار القليل من الذهب ليصبح كثيراً، والمقدار القليل من التمر ليصبح كثيراً، ورده عن أبي قتادة عينه بعد أن سالت على خده، فأصبحت أفضل من السليمة، وصرعه صلى الله عليه وسلم ركانـة بن الحارث ثلاث مرات، وكان لا يصرع قط، ولم يضجعه أحد قط، وتحول العرجـون بأمره إلى سيف، ومن أعظم ذلك كله انتصاره بالعدد القليل من المؤمنين على العدد الكبير من الكافرين، فإن هذا من أعظم خوارق العادات ومن أجل الكرامات، وأوضح الدلالات والآيات أنه رسول الله المؤيد بنصره وتمكينه!!


تكثير الماء القليل ليصبح كثيراً:

وهذه الآية قد وقعت مراراً للنبي صلى الله عليه وسلم فكلما عطش المسلمون في سفر أو حضر كانوا يلجئون إلى الرسـول صلى الله عليه وسلم فيسقيهم الله ببركة من بركات هذا النبي وبآية من آيات الله، وقد جاء هذا بصور كثيرة، فتارة ينبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فيشرب القوم ويملئون قرابهم وهم عدد كبير، وتارة يبارك الرسول في مزادة فتنفجر بالماء إلى أن يسقي القوم، وتارة بضرب الرسول سهماً في بئر جافة فتفور بالماء، وتارة يبارك على عين جافة فيجري ماؤها...

وهذه بعض الروايات في هذا الصدد:

(1) الماء يتفجر من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدالرحمن بن مبارك حدثنا حزم قال سمعت الحسن قال: حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مخارجه ومعه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة، فلم يجدوا ماءاً يتوضأون، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال: [قوموا فتوضأوا]، فتوضأ القوم حتى بلغوا ما يريدون من الوضوء وكانوا سبعين أو نحوه. (6/581)

وقال البخاري رحمه الله: حدثنا أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء (وهو مكان في المدينة)، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة. (6/580)

(2) بركة النبي صلى الله عليه وسلم من بين مزادة امرأة مشركة:

قـال البخاري رحمه الله: حدثنا مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف قال حدثنا أبو رجاء عن عمران قال: كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وانا أسرينا حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان، ثم فلان، ثم فلان، يسميهم أبو رجـاء، فنسي عوف، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقـظ حتى يكون هـو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلاً جليداً، فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال: [لا ضير، ارتحلوا]، فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي للصلاة فصلى بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجـل معتزل لم يصل مع القوم قال: [ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟] قال أصابتني جنابة ولا ماء. قال: [عليك بالصعيد فإنه يكفيك].

ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس من العطش فنزل فدعا فلاناً كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف، ودعا علياً فقال: [اذهبا فابتغيا الماء]، فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها. فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوفاً، قالا لها: انطلقي إذا. قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين. فانطلقي، فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثناه الحديث. قـال فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكأ أفواهما، واطلق العزالي ونودي في الناس اسقوا واستقوا فسقي من شاء واستقى من شاء، وكان آخـر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال: [اذهب فأفرغه عليك]، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها وأيم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملاءة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [اجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة] حتى جمعوا لها طعاماً، فجعلوها في ثوب وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يدها!!

قـال لها صلى الله عليه وسلم: [تعلمين مارزئنا من مائك شيئاً ولكن الله هو الذي أسقانا]!! فأتت أهلها وقد احتبست عنهم قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ، ففعل كذا وكذا فوالله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، وقالت باصبعيها الوسطى والسبابة فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض أو إنه لرسول الله حقاً!! فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولهـا من المشركين، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوا فدخلوا في الإسلام.

(4) الماء يتفجر من البئر بسهم من كنانة النبي صلى الله عليه وسلم:

قـال البخاري رحمه الله: حدثني عبدالله بن محمد، حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان –يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوه ذات اليمين]، فوالله ما شعر بهم خالد، إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيراً لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بكرت به راحلته، فقال الناس: حل حل!! فألحت. فقالوا:خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل]، ثم قال: [والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها] ثم زجرها فوثبت..

قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهـم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة -وكانوا عيبة نصح رسول الله من أهل تهامة- فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشاَ قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره]. فقال بديل: سأبلغهم ما تقـول. قال: فانطلق حتى أتى قريشاً قال: إنا جئناكم من هذا الرجـل وسمعناه يقول قولاً فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجـة لنا أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال أو لست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي ومالي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آته. قالوا: أئته، فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي نحو من قوله لبديل.

فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني والله لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أوشاباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر: أمصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: زما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما تكلم بكلمة أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر؟! ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية وقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء]، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه.

قـال: فوالله ما تنخم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحـدون إليه النظر تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت مليكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظـم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وإنه قـد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: أئته، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال صلى الله عليه وسلم: [هذا فلان وهو من قـوم يعظمون البدن فابعثوها له]، فبعثت له واستقلبه الناس يلبون، فلما رأى ذلك قـال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: أئته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [هذا مكرز وهو رجل فاجر]، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.

قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم: [قد سهل لكم من أمركم]. قال معمر قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات أكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعـا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [بسم الله الرحمن الرحيم]، فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هي، ولكن اكتب باسمك اللهم، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [اكتب باسمك اللهم]، ثم قال: [هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم]. فقـال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبدالله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبدالله]!!

قال الزهري: وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به]. فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب على أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب فقـال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجـل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين، وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك، إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرفس قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمـد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إنا لم نقض الكتاب بعد]. قـال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: [فأجزه لي]. قال: ما أنا بمجيزه لك.

قال: [بلى فافعل]. قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله. قل: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: [بلى]. قلت: ألست على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: [بلى]. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: [إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري]. قلت: أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت نطوف به؟ قال: [بلى، فأخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟]، قال: قلت: لا. قال: [فأنك آتيه ومطوف به]. قال: فأتيت أبا بكر فقلت له: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق!! قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.

قال الزهري: قال عمر: فعلمت لذلك أعمالاً. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: [قوموا فانحروا ثم احلقوا]. قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ فأخـرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فليحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً حتى فعل ذلك نحر ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً. ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنونهن} حتى بلغ{ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش، وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين فخـرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير: أرني انظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد!!

وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: [لقد رأى هذا ذعراً]، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليه ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد]!! فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وينفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بِعيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده -الله والرحم- لما أرسل فمن أتاه فهو آمن!! فأرسل النبي صلى الله عليه وسـلم إليهم، فأنزل الله تعالى:{وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} حتى بلغ {الحمية حمية الجاهلية} وكانت حميتهم أنهم لم يقـروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.

قلت: وفي سياق هذا الحديث من دلائل النبوة عدا تفجر الماء أمور كثيرة جداً.

(5) الرسول صلى الله عليه وسلم يفجر عيناً في طريق تبوك:

قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبدالله بن رباح عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: [إنكم إن لا تدركوا الماء غداً تعطشوا]، وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالت برسـول الله راحلته، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعمته فأدعم، ثم مال فدعمته فأدعم، ثم مال حتى كان أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه، فقال: [من الرجل؟] قلت: أبو قتادة. قال: [من كم كان مسيرك؟] قلت: منذ الليلة. قال: [حفظك الله كما حفظت رسوله] ، ثم قال: [لو عرسنا]، فمال إلى شجرة فنزل، فقال: [انظر هل ترى أحداً؟] قلت: هذا راكب، هذان راكبان حتى بلغ سبعة، فقال: [احفظوا علينا صلاتنا]، فنمنا فما أيقظنا إلا حـر الشمس فانتبهنا، فركب رسول الله فسار وسرنا هنيهة ثم نزل، فقال: [أمعكم ماء؟] قـال: قلت: نعم معي ميضأة فيها شيء من ماء. قال: [أئتني بها]، فأتيته بها، فقال: [مسوا منها، مسوا منها]، فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال: [ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه سيكون لها نبأ]، ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجـر، ثم صلوا الفجر، ثم ركب وركبنا فقال بعضهم لبعض فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمر دينكم فإلي]. قلنا: يا رسول الله فرطنا في صلاتنا. فقال: [في النوم إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها من الغد وقتها]، ثم قال: [ظنوا بالقوم]. فقالوا: إنك قلت بالأمس: إلا تداركوا الماء غداً تعطشوا، فالناس بالماء. فقال: [أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم]..

فقال بعضهم لبعض: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا -قالها ثلاثاً- فلما اشتد الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هلكنا عطشا تقطعت الأعناق فقال: [لا هلك عليكم]. ثم قال: [يا أبا قتادة أئت بالميضأة]، فأتيت بها، فقال: [احلل لي غمري] يعني قدحه، فحللته فأتيت به فجعل يصب فيه ويسقي الناس فازدحم الناس عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا أيها الناس أحسنوا الملأ فكلكم سيصدر عن ري]، فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب لي فقال: [اشرب يا أبا قتادة]. قال: قلت: أنت يا رسول الله. قـال: [إن ساقي القوم آخرهم]، فشربت وشرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة).

وقـال مسلم رحمه الله: حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الزارمي حدثنا أبو علي الحمصي حدثنا مالك (وهو أبو أنس) عن أبي الزبير المكي أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره أن معاذ بن جبل أخبره قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة، فصلى الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، حتى إذا كان يوماً أخر الصلاة، ثم خـرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل، ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعاً، ثم قال: [إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي] فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء قال فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هل مسستما من مائها شيئاً]. قالا: نعم، فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول.

قال: ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً حتى اجتمع في شيء. قال: وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه ثم أعاد فيها، فجرت العين بماء منهمر أو قال غزير -شك أبو علي أيهما قال- حتى استسقى الناس ثم قال: [يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جناناً ]. (3/1784)

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصبحت أرض تبوك اليوم جناناً وبساتين!!
 

islamisthesolution

Junior Member
مفصل دلائل النبوة (4)

من معجزاته صلى الله عليه وسلم بركته في تكثير الطعام القليل ليشبع العدد الكثير!!


من آيات صدق النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، وعظيم بركاته، أنه صلى الله عليه وسلم كان يبارك على الطعام القليل فيصبح كثيراً جداً، حتى إن طعام رجل واحد كان يكفي سبعين رجلاً، وطعاماً لا يكفي إلا خمسة يطعم ألفاً ويشبعون، وهذا قد وقع ببركة النبي صلى الله عليه وسلم مراراً وتكراراً، وهذه الآية المبصرة دليل عظيم من أدلة النبوة، فإن هذه الآية تفارق السحر، ولا يتطرق إليها وهم أو ظنون. أما مفارقتها للسحر فإن الساحر لا يقلب الأعيان، ولا يغير الحقائق، ولا يجعل القليل كثيراً، ولا يعمل في النفع والخير، وليس لعمله بركة في الدنيا ولا في الآخرة، بل {يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}.

وأما جعل طعام قليل لا يكفي عشرة من الناس طعاماً كثيراً مباركاً هنيئاً مريئاً يكفي الجيش كله وهم ألوف، فإن هذا يستحيل أن يكون سحراً، لأن تكثير الطعام خرق للعادة وتبديل للأعيان، فحقيقة القلة غير حقيقـة الكثرة، والإنسان الجائع لا يشبع من فراغ، فإذا شبع بطعام فلا بد وأن يكون ما أكله طعاماً حقيقياً حصل به الشبع، وهذا العمل في ذاته من أعمال الخير والبركة، وهو يفارق أعمال السحرة والكهنة فإنهم لا يعملون إلا في الشر والنقص والخبال والظلم.

وهذا سرد لبعض الوقائع في هذا الصدد:

(1) النبي صلى الله عليه وسلم يطعـم المهاجرين والأنصار جميعاً يوم الخندق من عناق واحدة وصاع من شعير:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا عبدالواحد بن أيمن عن أبيه قال أتيت جابراً رضي الله عنه فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة (الكدية: الصخرة العظيمة) فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق. فقال صلى الله عليه وسلم: [أنا نـازل]، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخـذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب في الكدية فعاد كثيباً أهيل أو أهيم، فقلت: يا رسـول الله أئذن لي إلى البيت. فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كـان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم بالبرمة (البرمة: قدر يكون أسفله أوسع من أعلاه)، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر(أي اختمر) والبرمة بين الأثافي (الأحجار التي يحمل عليها القدر) قد كادت أن تنضج فقلت: طُعَيْمٌ لي فقم أنت يا رسـول الله ورجلٌ أو رجلان. قال: [كم هو؟] فذكرت له. فقال صلى الله عليه وسلم: [كثير طيب. قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي]. فقال صلى الله عليه وسلم: [قوموا!!] فقـام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم!! قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقالت: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر (أي يغطي) البرمة (أي يغطيها) والتنور إذا أخـذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية. قال صلى الله عليه وسلم: [كلي هذا أو اهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة] (أخرجه البخاري 7/395، ومسلم 3/1610)

وفي رواية أخرى قال البخاري رحمه الله: حدثني عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، أخبرنا سعيد بن ميناء قال: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: لما حفر الخندق، رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء، فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً، فأخرجت إليّ جراباً فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها، وطحنت الشعير، ففرغتْ إلي فراغي (يعني لما فرغ هـو من الذبح وسلخ الشاة فرغت امرأته من طحن الشعير وعجنه) وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه!! فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنا صاعاً من شعير كـان عندنا فتعال أنت ونفرٌ معك. فصاح النبي صلى الله عليه وسلم: [يا أهل الخندق إن جابـراً قد صنع لكم سوراً، فحَيَّ هلاً بكم]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تُنْزِلُنَّ برمتكم، ولا تخبزن عجينكم، حتى أجيئ]. فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت: بِكَ وبِكَ، فقلت: قد فعلت الذي قلت!!

فأخرجت له عجيناً فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: [ادع خابزةً فلتخبزْ معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها]، وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجينتنا ليخبز كما هو!!

قلت: هذا الحديث من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن إطعام ألف رجل حتى يشبعوا بعد أن أنهكهم الجوع، ومكثوا أياماً دون طعام، وهم محاصرون في الخندق في برد شديد، ويعملون في حفر الخندق ونقل التراب، تكسير الصخور.. إطعـام هؤلاء جميعاً من عنز صغير (عناق)، مع صاع واحد من شعير -وهذا طعام لا يكفي في العادة إلا نحو خمسة رجال-. ثم إن هؤلاء الألف الذين أكلوا حتى شبعوا قد تركوا برمة اللحم كما هي، والعجين كما هو، لم ينقص منه شيء... فأي دليل على إثبات النبوة، وحدوث المعجزة أعظم من هذا؟ فهذا دليل حسي مرئي اطلع عليه هـذا العدد العظيم من الناس، ولم يشاهدوا الآية فقط، بل أكلوا وشبعوا، فاشترك في إدراك هذه المعجزة كل الحواس، النظر، والسمع، واللمس، والذوق، والشم، وأدركوا كل ذلك بعقولهم وقلوبهم، وظهرت آثار بركة هذا في أعمالهم وأخلاقهم.

فمن لا يصدق بعد ذلك أن محمد بن عبدالله كان رسـول الله حقاً وصدقاً وأنه كان مباركاً حيث كان صلى الله عليه وسلم!!

(2) النبي صلى الله عليه وسلم يطعم جيش المسلمين في تبوك من بقايا أزوادهم:

قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا علي بن إسحاق، أنا عبدالله يعني ابن المبارك قال أنا الأوزاعي، قـال: حدثني المطلب بن حنطب المخزومي قال: حدثني عبدالرحمن بن أبي عمرة الأنصاري حدثني أبي، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصاب الناس مخمصة، فاستأذن الناس رسول الله في نحر بعض ظهورهم (أي جمالهم التي يركبون عليها)، وقالوا: يبلغنا الله به، فلما رأى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم، قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا القوم غداً جياعاً أو رجالاً؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم فنجمعها، ثم تدعو الله فيها البركة، فإن الله تبارك وتعالى سيبلغنا بدعوتك، أو قال سيبارك لنا في دعوتك. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقايا أزوادهم، فجعل الناس يجيئون بالحثية (الحثية ما يملأ الكف الواحدة) من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، فأمرهم أن يحتثوا فما بقى في الجيش وعاءً إلا ملأوه!!! فضحك رسـول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه، فقال: [أشهد أن لا له إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقي الله عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة].

وقال الإمـام مسلم رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن النضر، قال حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا عبيد الله الأشجعي، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، قال: فنفذت أزواد القوم. قال: حتى هم ينحر بعض حمائلهم. قـال: فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القـوم فدعوت الله عليها. قال: ففعل. قال: فجاء ذو البر (البر هو القمح) ببره، وذو التمر بتمره (وقال مجاهد وذو النوى بنواه). قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء. قال: فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهم. قال: فقال عند ذلك: [أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة]. (أخرجه مسلم 1/55)

(3) النبي صلى الله عليه وسلم يطعم ثمانين رجلاً من بضع أقراص من شعير:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي ولاثتني (لاثتني: أي لفت بقية الثوب حول رأسي ورقبتي) ببعضه، ثم أرسلت إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم، فقال لي رسـول الله صلى الله عليه وسلم: [أرسلك أبو طلحة؟] فقلت: نعم. قال: [بطعام؟] فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: [قوموا!!] فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت الله ورسوله أعلم.

فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله وأبو طلحة معه فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: [يا أم سليم ما عندك؟] فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله ففت وعصرت أم سليم عكة (قربة صغيرة يوضع فيها السمن) فأدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء أن يقول ثم قال: [ائذن لعشرة]، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: [أئذن لعشرة]، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: [أئذن لعشرة]، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: [أئذن لعشرة] فأكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً. (أخرجه مسلم 3/1612)

(4) النبي صلى الله عليه وسلم يبارك تمر جابر بن عبدالله الأنصاري حتى يوفي منه دينه!! ويبقى التمر كما هو كأن لم يؤخذ منه شيء!!:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدان أخبرنا جرير عن مغيرة عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه قـال: توفي عبدالله بن عمرو بن حرام وعليه دين، فاستعنت النبي على غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: [اذهب فصنف تمرك أصنافاً، العجـوة على حدة، وعـذاق ابن زيد (نوع من التمر) على حـدة، ثم أرسل إلي]، ففعلت، ثم أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء، فجلس أعلى أعلاه أو في وسطه، ثم قـال: [كِلْ للقوم!!] فكلتهم حتى أوفيت الذي لهم، وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء!!

وقال فراس عن الشعبي: حدثني جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: فما زال يكيل لهم حتى أداه، وقـال هشام بن كيسان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه أخبره أن أباه توفي، وترك عليه ثلاثين وسقاً (الوسق ثلاثمائة صاعا، والصاع نحو كيلوين فيكون الوسق ستمائة كيلو) لرجل من اليهود فاستنظره (أي طلب منه مهلة حتى يستطيع وفاء دينه) جابر، فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخلة (بالتي) له فأبى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها، ثم قال لجابر: [جد له فأوف له الذي له]، فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوفاه ثلاثين وسقاً، وفضلت له سبعة عشر وسقاً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلما انصرف أخبر بالفضل. فقال: أخبر ذلك ابن الخطاب!! فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله ليباركن فيها!!

(5) النبي صلى الله عليه وسلم يطعم مائة وثلاثين رجلاً من كبد شاة واحدة:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو النعمان حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي رضي الله عنه ثلاثين ومائة، فقـال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان (ثائر الرأس) طويل بغنم يسوقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [بيعاً أم عطية؟] -أو قال أم هبة- قال: بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن (الكبد) أن يشوى، وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا وقد حزَّ النبي صلى الله عليه وسلم له حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاه إياها، وإن كـان غائباً خبأ له، فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا، ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال.

(6) قصعة واحدة يأكل منها المسلمون من الصبح حتى المساء ولا تنقص:

قال الترمذي رحمه الله: حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا سليمان عن أبي العلاء عن سمرة بن جندب قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نتداول من قصعة من غدوة (الصباح) حتى الليل، تقوم عشرة وتقعد عشرة. قلنا: فما كانت تمد؟ قـال: من أي شيء تعجب؟ ما كانت تمد إلا من ههنا وأشار بيده إلى السماء!!

(7) النبي صلى الله عليه وسلم يزود وفد خثعم من تمر عمر بن الخطاب ويبقى تمره كما هو:

قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا وكيع ثنا إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد الخثعمي قال: أتينا رسـول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون أو أربعمائة نسأله الطعام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: [قم فأعطهم].

قال: يا رسـول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية. - قال وكيع: القيظ في كلام العرب أربعة أشهر-

قال: [قم فأعطهم].

قال عمر: يا رسول الله سمعاً وطاعة.

قال: فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب، قال دكين: فإذا بالغرفة شبيه الفصيل (الفصيل ابن الناقـة الذي عمره عام وانفصل عن رضاع أمه) الرابض (أي من التمر).

قال: شأنكم، قال: فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء الله. قال: ثم التفت وإني لمن آخرهم وكأنا لم نرزأ (أي لم نصب ولم ننقص) منه تمرة. (أخرجه أحمد 4/174)

وفي رواية أخرى: ثنا بن عبيد إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد المزني قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون راكباً أو أربعمائة نسأله طعاماً فقال لعمر: [اذهب فأعطهم]. فقال: يا رسول الله ما بقي إلا آصع من تمر ما أرى أن يقيظني (أي يكفيني القيظ وهو فترة الصيف) قال: [اذهب فأعطهم]. قال: سمعاً وطاعة. قال: فأخرج عمر المفتاح من حجزته ففتح الباب، فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر. فقال: لتأخذوا فأخذ كل رجل منا ما أحب، ثم التفت وكنت من آخر القوم، وكأنا لم نرزأ تمرة.

(8) النبي صلى الله عليه وسلم يسقي أهل الصفة جميعاً وهم نحو سبعين رجلاً من قدح واحد من حليب:

قال البخاري رحمه الله: حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أن أبا هريرة يقول: ألله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه. فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل. ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: [أبا هريرة!!] قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [الحق!!] ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن فأذن لي، فدخل، فوجد لبناً في قدح. فقال: [من أين هذا اللبن؟] قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة. قال: [يا أبا هريرة!] قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي]!!، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته (صدقة) أرسل إليهم، وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هـذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها. فإذا جاء وأمرني فكنت أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن.

ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم ودعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت.

قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [خذ فأعطيهم فأخذت القـدح]، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروي، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروي ثم يرد القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى القوم كلهم فأخذ القـدح ثم وضعه على يده، فنظر إلي فتبسم فقال: [يا أبا هريرة]. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: [اقعد فاشرب]، فقعدت وشربت، فقال: [اشرب فشربت]، فما زال يقول: [اشرب] حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً، قال: فأرني، فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. (أخرجه البخاري 11/281)

(9) النبي صلى الله عليه وسلم يفجر اللبن من ضرع شاة لا تحلب!!:

قال الحاكم رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا أبو الوليد ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط ثنا إياد بن لقيط عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفيين (أي في الهجرة من مكة) مراً (بعبد) يرعى غنماً، فاستسقياه من اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ههنا عناقاً حملت أول الشتاء، وقد أخرجت وما بقى لها لبن فقال : [ادع بها]، فدعا بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح ضرعها، ودعا حتى انزلت قال: وجاء أبو بكر رضي الله عنه بمحجن فحلب، فسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب!! فقـال الراعي: بالله من أنت؟؟ فوالله ما رأيت مثلك قط؟ قال: [أو تراك تكتم علي حتى أخبرك؟] قال: نعم. قال: [فإني محمد رسول الله!!] فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: [إنه ليقولون ذلك!!] قال: فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق إنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي وأنا متبعك. قال: [إنك لا تستطيع ذلك اليوم. فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا].

(10) عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يرى المعجزة:

قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا أبو بكر بن عياش حدثني عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر فقال: [يا غلام هل من لبن؟] قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: [فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟] فأتيته بشاة فمسح ضروعها، فنزل لبن فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر ثم قال للضرع: [اقلص]، فقلص. قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول. قال: فمسح رأسي وقال: [يرحمك الله فإنك غليم مُعَلَّم].

ثم قال الإمام أحمد رحمه الله ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بإسناده، قال: فأتاه أبو بكر بصخرة منقورة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر، وشربت. قال: ثم أتيت بعد ذلك قلت: علمني من هذا القرآن. قال: [إنك غلام معلم]. قال: فأخذت من فيه سبعين سورة (أي أن ابن مسعود بعد أن صحب النبي صلى الله عليه وسلم تعلم سبعين سورة من النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة).

(11) تمرات لأبي هريرة يباركها الرسول فلا تفنى إلا بعد خمسين عاماً.

قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يونس حدثنا حماد يعني بن زيد عن المهاجر عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بتمرات، فقلت ادع الله لي فيهن بالبركة. قال: صفهن بين يديه. قال: ثم دعا فقال لي: اجعلهن في مزود (المزود جراب للتمر) وأدخل يدك ولا تنثره!! قال: فحملت (أي تصدقت وحملت معي في الغزو) منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله، ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي (الحقو: مربط الحزام من الإنسان)، فلما قتل عثمان رضي الله عنه، انقطع عن حقوي فسقط!!

وقال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا أبو عامر ثنا إسماعيل يعني بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من تمر فجعلته في مكتل لنا، فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهل الشام، حيث أغاروا على المدينة (أي في وقعة الحرة).

قلت: كانت وقعة الحرة عام (63هـ)، وإسلام أبي هريرة كان قبل وفاة النبي بثلاث سنوات فلو أن حادثة التمر الذي باركه الرسول لأبي هريرة في عام إسلامه فإنه يعني أنه مكث خمسين عاماً يأكل من هذا التمر المبارك وهو لا يفنى!!
 

islamisthesolution

Junior Member
مفصل دلائل النبوة (5)

إخباره صلى الله عليه وسلم بغيوب كثيرة وقعت كما أخبر بها تماماً


إخباره صلى الله عليه وسلم بالفتوح التي تفتحها أمته

(1-2)


مدخل:

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم ودلائل صدقه صلى الله عليه وسلم إخباره صلى الله عليه وسلم بغيوب كثيرة وقعت على النحو الذي أخبر به تماماً وهذه الغيوب التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم تشمل الغيب الإضافي، والغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولا يطلع عليه إلا من ارتضى من رسول.

الغيب نوعان:

اعلم -رحمني الله وإياك- أن الغيب نوعان: غيب للبعض وشهادة للآخرين، فما يحدث في بيت جارك مثلاً هو غيب بالنسبة إليك ولكنه شهادة عندهم، فكل ما هو غائب عن سمعك وبصرك وحواسك فهو غيب بالنسبة إليك ولكنه شهادة عند غيرك ممن يراه أو يسمعه أو يحسه، فهذا هو الغيب الإضافي.

والقسم الثاني من الغيب هو ما استأثر الله بعلمه ولا يعلمه إلا هو أو من يطلعه الله عليه من رسول. قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً* إلا من ارتضى رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً* ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً} (الجن:26-28).

وقال تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} (لقمان:34).

وقال صلى الله عليه وسلم: [مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى: لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله تعالى، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله تعالى، ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله تعالى، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله تعالى، ولا يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله تعالى] (رواه البخاري).

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بغيوب كثيرة من الغيب الإضافي كأن يحدث أمر في مكان بعيد فيخبر به فيكون على النحو الذي أخبر به تماماً، وكذلك حدث النبي بغيوب هائلة كثيرة مستقبلية مما أطلعه الله عليه، ولا يعلمه إلا الله، وذلك منذ مبعثه وإلى يوم القيامة فوقع ما وقع منها على النحو الذي حدث به تماماً... ولا تزال الأيام تأتي بما أخبر به مما لم يقع فيقع الأمر كما أخبر به تماماً صلوات الله وسلامه عليه.

وهذا بيان تفصيلي لطائفة من هذه الغيوب:

(1) إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الدين الذي بعث به سيعلو على كل الأديان، وأنه سينصر، وأن أمته ستفتح العالم، وتفتح لها كنوز الأرض:

أ- النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في مكة في فئة مستضعفة أن دينه سيعم الجزيرة كلها:

فعن خباب بن الأرت قال: [شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا الله تبارك وتعالى، أو ألا تستنصر لنا؟ فقال: قد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض، فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل بنصفين فما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك، والله ليتمن الله عز وجل هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله تعالى، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون] (رواه أحمد).

وقد وقع هذا الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم فدانت الجزيرة كلها بالإسلام، وأمن الناس فيها من أقصاها إلى أقصاها... وكان تصور هذا ضرب من الخيال، فقد كان القتل وقطع الطريق، والإغارة والنهب والسلب في كل ركن من أركانها إلا المسجد الحرام فقط.

إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح جزيرة العرب ثم فارس ثم الروم، ووقوع الأمر كما حدث به تماماً:

قال مسلم رحمه الله: حد ثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عبدالملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصرف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد قال: فقالت لي نفسي ائتهم فقم بينهم وبينه لا يغتالونه قال: ثم قلت لعله نجى معهم فأتيتهم فقمت بينهم وبينه فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال: [تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله]!!

قلت: ويبقى فتح الدجال، وسيقع الأمر فيه كما حدث صلى الله عليه وسلم تماماً، وسيكون ذلك آية أخرى لمن يشهدها في وقتها.

ب- النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة أن أمته ستفتح كنوز كسرى.

روى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند الني صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل. فقال: [يا عدي، هل رأيت الحيرة؟] قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: [فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار (الدعار هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى]. قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: [كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولن ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك فيقول بلى فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول : بلى!! فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم]. قال عدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [اتقوا النار ولول بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة]. قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج ملء كفه. (رواه البخاري).

وقد روى هذا الحديث أبو نعيم بإسناده في دلائل النبوة أن الشعبي رحمه الله دخل على عدي بن حاتم الطائي فقال: إنه بلغني عنك حديث كنت أحب أن أسمعه منك، قال: نعم، بعث النبي صلى الله عليه وسلم وكنت من أشد الناس له كراهية، وكنت بأقصى أرض العرب من الروم، فكرهت مكاني أشد من كراهيتي لأمري الأول، فقلت لآتين هذا الرجل، فإن كان صادقاً لا يخفى علي أمره، وإن كان كاذباً لا يخفى علي، أو قال: لا يضرني، قال: فقدمت المدينة، فاستشرفني الناس فقالوا: عدي بن حاتم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [يا عدي أسلم تسلم]، قلت: إن لي ديناً، قال: [أنا أعلم بدينك منك]. قلت: ما يجعلك أعلم بديني مني؟!! قال: [أنا أعلم بدينك منك. ألست ترأس قومك؟] قلت: بلى. قال: [ألست تأخذ المرباع (ربع الغنيمة)]. قلت: بلى. قال: [فإن ذلك لا يحل لك]. قلت: أجل.

قال: فكان ذلك أذهب بعض ما في نفسي، قال: [أنه يمنعك من أن تسلم خصاصة فقر من ترى حولنا، وإنك ترى الناس علينا إلباً واحداً، أو قال يداً واحدة]، قلت: نعم، قال: [هل أتيت الحيرة؟] قلت: لا، وقد علمت مكانها، قال صلى الله عليه وسلم: [يوشك الظعينة أن تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار!! ويوشك أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز]، قال: قلت: كنوز كسرى بن هرمز!! قال: [كنوز كسرى بن هرمز!! ويوشك أن يخرج الرجل الصدقة من ماله فلا يجد من يقبلها منه].

قال عدي رضي الله عنه: فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على السواد، والله لتكونن الثالثة أنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية أبي بكر بن خلاد ومحمد بن أحمد قال عدي فأنا سرت بالظعينة من الحيرة، قال: إلى البيت العتيق في غير جوار، يعني أنه حج بأهله، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن، والله لتكونن الثالثة كما كانت هاتان أنه تحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إياي.

وفي رواية أخرى:

قدم عدي بن حاتم الطائي الكوفة، فأتيته في أناس منا، من أهل الكوفة، قلنا: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة ولا أعلم أحداً من العرب كان له أشد بغضاً مني، ولا أشد كراهية له مني، حتى لحقت بأرض الروم، فتنصرت فيهم، فلما بلغني ما يدعو إليه من الأخلاق الحسنة، وما اجتمع إليه من الناس ارتحلت حتى أتيته، فوقفت عليه وعنده صهيب وبلال وسلمان. فقال: [يا عدي بن حاتم أسلم تسلم]، فقلت : أخ أخ فأنخت، فجلست وألزقت ركبتي بركبته، فقلت: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: [تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره. يا عدي بن حاتم لا تقوم الساعة حتى تفتح خزائن كسرى وقيصر. يا عدي بن حاتم لا تقوم الساعة حتى تأتي الظعينة من الحيرة –ولم يكن يومئذ كوفة- حتى تطوف بالكعبة بغير خفير، لا تقوم الساعة حتى يحمل الرجل جراب المال فيطوف به فلا يجد أحد يقبله، فيضرب به الأرض فيقول: ليتك كنت تراباً (دلائل النبوة لأبي نعيم 2/693-696).

إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وهبته الشيماء بنت نفيلة لخريم بن أوس:

قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن معمر قال ثنا عبدالله بن محمد بن ناجية، قال: ثنا أبو السكين زكريا بن يحيى الطائي، قال حدثني عم أبي زخر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال:

قال جدي خريم بن أوس: هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقدمت عليه مُنْصَرَفَةُ من تبوك، فأسلمت فسمعته يقول: [هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغله شهباء معتجرة بخمار أسود] فقلت: يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف فهي لي؟ قال: [هي لك!!] قلت: ثم كانت الردة، فما ارتد أحد من طيء، فأقبلنا مع خالد بن الوليد نريد الحيرة، فلما دخلناها كان أول من تلقانا الشيماء بنت نفيلة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها فقلت: هذه وصفها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني خالد بالبينة فأتيت بها، فكانت البينة محمد بن مسلمة ومحمد بن بشير الأنصاريان، فسلمها إليّ خالد، ونزل إليها أخوها عبدالمسيح بن نفيلة يريد الصلح، فقال: بعينها، فقلت: لا أنقصها والله من عشر مائة!! فأعطاني ألف درهم وسلمتها إليه، فقالوا لي: لو قلت مائة ألف لسلمها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أن عدداً أكثر من عشر مائة!!

قلت: وهذا صحابي لا يعلم بعد الألف عدداً!! وهذا الحديث من أعلام نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه حدث عن أمر من الغيب لا يمكن تصوره بالظن ولا التخييل ولا التوقع فإن تصور انتصار العرب المسلمين على الفرس كان أبعد من الخيال!! ولقد حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم بصفته حقيقة واقعة!! ووقع الأمر كما حدث به تماماً.

وقد روى هذا الحديث الإمام ابن حبان رحمه الله كما في الموارد: أخبرنا ابن أسلم حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم بن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها]، فقام رجل فقال: [هب لي يا رسول الله ابنة نفيلة]، فقال: [هي لك فأعطوها إياه]، فجاء أبوها فقال: أتبيعنها فقال: نعم، قال: بكم؟ قال: احتكم ما شئت، قال: بألف درهم. قال: قد أخذتها فقيل: لو قلت ثلاثين ألفاً. قال: وقال: وهل عدد أكثر من ألف؟!

قال الحافظ الهيثمي: قلت هكذا وقع في هذه الرواية أن الذي اشتراها أبوها وإن المشهور أن الذي اشتراها عبدالمسيح أخوها والله أعلم.

إخباره صلى الله عليه وسلم بحسن إسلام الفرس بعد الفتح:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثاً، وفينا سلمان الفارسي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: [لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء].

حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب حدثنا عبدالعزيز أخبرني ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : [لناله رجال من هؤلاء] (البخاري 8/641).

المسلمون يفتحون فارس موقنين بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبدالله بن جعفر الرقي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي حدثنا بكر بن عبدالمزني وزياد بن جبير عن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأنصار، يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان فقال له عمر: إني مستشيرك في مغازي هذه، قال: نعم!! مَثَلُها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس، وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس، فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.

وقال بكر بن زياد جميعاً عن جبير بن حية قال: فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو، خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة بن شعبة: سل عما شئت. قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب، كنا في شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمر نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أن من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم!!

وروى الحاكم رحمه الله هذا الحديث قال: حدثنا علي بن جمشاد العدل، ثنا علي بن عبدالعزيز ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة ثنا أبو عمران الجوني، عن علقمة بن عبدالله المزني عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وآذربيجان فقال يا أمير المؤمنين: أصبهان الرأس وفارس وآذربيجان الجناحان، فابدأ بأصبهان فدخل عمر بن الخطاب بالمسجد فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلي فانتظره حتى قضى صلاته فقال له: إني مستعملك. فقال: أما جابياً فلا!! وأما غازياً فنعم!! قال: فإنك غاز فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم حذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، والزبير بن العام، والأشعث بن قيس وعمرو بن معدي كرب، وعبدالله بن عمرو، فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر، فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولاً وملكهم ذو الحاجبين فاستشار أصحابه فقال: ما ترون أقعد لهم في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته؟ فجلس في هيئة الملك وبهجته على سريرة، ووضع التاج على رأسه وحوله سماطين عليهم ثياب الديباج والقرط والأسورة، فجاء المغيرة بن شعبة فأخذ بضبعيه، وبيده الرمح والترس والناس حوله سماطين على بساط له، فجعل يطعنه برمحه فخرقه لكلي يتطيروا، فقال له ذو الحاجبين: إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد وجهد فخرجتم!! فإن شئتم مرناكم (من الميرة يعني الطعام) ورجعتم إلى بلادكم، فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنا كنا معشر العرب نأكل الجيفة والميتة، وأنه قد وعدنا أن هاهنا سيفتح علينا، وقد وجدنا جميع ما وعدنا حقاً، وإني لأرى ها هنا بزة وهيئة ما أرى من معي بذاهبين حتى يأخذوه، فقال المغيرة: فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فجلست معه على السرير إذ وجدت غفلة فزجني وجعلوا يحثونه فقلت: أرأيتم إن كنت أنا استحمق فإن هذا لا يفعل بالرسل، وإنا لا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا. فقال: إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئنا قطعنا إليكم. فقلت: بلى نقطع إليكم، فقطعنا إليهم وصاففناهم فتسلسلوا كل سبعة في سلسلة، وخمسة في سلسلة حتى لا يفروا.

قال: فرامونا حتى أسرعوا فينا فقال المغيرة للنعمان: إن القوم قد أسرعوا فينا فاحمل، فقال: إنك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله، ولكني أنا شهدت رسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار، أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الريح، وينزل النصر.

فقال النعمان: يا أيها الناس اهتز ثلاث هزات فأما الهزة الأولى فليقضي الرجل حاجته، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وسيفه، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد، وإن قتلت فلا تلووا علي، وإني داع الله بدعوة فعزمت على كل امرىء منكم لما أمن عليها، فقال: اللهم ارزق اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين، وافتح عليهم. فأمن القوم.. وهز لواءه ثلاث مرات، ثم حمل فكان أول صريع رضي الله عنه فذكرت وصيته فلم ألوي عليه، وأعلمت مكانه فكنا إذا قتلنا رجلاً منهم، شغل عنا أصحابه يجرونه ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله على المسلمين، وأتيت النعمان وبه رمق، فأتيته بماء فجعلت أصبه على وجهه أغسل التراب عن وجهه، فقال: من هذا، فقلت: معقل بن يسار، فقال: ما فعل الناس. فقلت: فتح الله عليهم. فقال: الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه فاجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس فقال: فأتينا أم ولده فقلنا: هل عهد إليك عهداً. قالت: لا إلا سفيط له فيه كتاب فقرأته فإذا فيه: إن قتل فلان ففلان، وإن قتل فلان ففلان (المستدرك 3/293).

قلت: فانظر كيف زحف المسلمون وهم قلة قليلة إلى الفرس وهم أضعاف أضعافهم ولكن المسلمين كانوا موقنين بالنصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم بذلك، والرسول لا يقول إلا حقاً.

إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده!!:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله].

وقال البخاري رحمه الله: حدثنا إسحاق سمع جريراً عن عبد الملك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله]

وأخرجه أيضاً من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [لتفتحن عصابة من المسلمين -أو من المؤمنين- كنز آل كسرى الذي في الأبيض].

قلت: وقد وقع الأمر تماماً كما قال صلى الله عليه وسلم فإنه لم يأت بعد كسرى كسرى غيره، ولما هدمت دولة القياصرة فلم تقم لهم دولة بعد ذلك وإلى يومنا هذا.

فأي دليل أعظم من هذا الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بالوحي الذي لا يعلمه إلا الله، فإنه لم يكن يتصور أحد أن دولة الأكاسرة التي استمرت نحو ألف عام أن يكون سقوطها وزوالها بأيدي المسلمين، وأن الأكاسرة لا يستطيعون، وإلى قيام الساعة أن يعيدوا ملكهم مرة ثانية!!

إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال المسلمين وقتالهم بعضهم بعضاً بعد فتح فارس والروم:

قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبدالله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟] قال عبدالرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أو غير ذلك. تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض] (مسلم 4/2274).

قلت: وللأسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل المهاجرين والأنصار بعضهم بعضاً في الجمل وصفين!! فإنا لله وإنا إليه راجعون!!

ج- النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بفتح القسطنطينية:

وقال صلى الله عليه وسلم: [لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى]. فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} أن ذلك تاماً، قال: [إنه سيكون من ذلك ما شاء الله] (رواه مسلم).

وقال صلى الله عليه وسلم: [إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها] (رواه مسلم).

وقال صلى الله عليه وسلم: [ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر]

وعن أبي قبيل قال: كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبدالله بصندوق له خلق، قال: فأخرج منه كتاباً. قال: فقال عبدالله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مدينة هرقل تفتح أولاً]. يعني قسطنطينية (رواه أحمد والدارمي وغيرهما وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
 

islamisthesolution

Junior Member
مفصل دلائل النبوة (6)

إخباره صلى الله عليه وسلم بالفتوح التي تفتحها أمته

(2-2)

(1) إخباره صلى الله عليه وسلم ببلوغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار:

لقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم بغيوب كثيرة وكلها وقعت كما حدث تماماً. ومما حدث به صلى الله عليه وسلم ما يكون لأمته من الفتح والنصر والتمكين، وكذلك ما يكون فيها من الفتن، والمصائب والرزايا العظيمة. وفي المقال السابق بينا طرفاً مما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتوح العظيمة التي تكون في أمته من بعده، وهذا سرد وبيان لطائفة أخرى من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد.

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الذين كانوا يعانون الظلم والاضطهاد، أن الدين الذي جاء به سيعلو كل دين، وأن الله سيبدل الخوف الذي يعيش فيه المسلمون بأمن سابغ تنعم فيه الجزيرة كلها قريباً حتى تسير الظعينة من بصرى الشام، أو من الحيرة في جنوب العراق إلى أن تطوف بالبيت، أو تذهب إلى أقصى الجزيرة في حضرموت بغير جوار، ولا تخاف إلا الله.. وهذا تصوير لمنتهى الأمن واستقرار الأمور وكونها بيد المسلمين الصالحين، وكان هذا عند من لا يصدق بموعود الله ضرباً من الخيال.

وأخبر صلى الله عليه وسلم بالفتوح التي تقع في عهده فتحاً فتحاً، والفتوح الكبرى التي ستفتح بعده فتحاً فتحاً. فمن ذلك ما أخبرهم عن نصر بدر، وأن الله وعده إحدى الطائفتين: إما العير القافلة من الشام، وكان على رأسها أبو سفيان بن حرب، وأما قريش التي خرجت لتحمي تجارتها، وتحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع النصر في بدر كما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل تفاصيله وجزئياته فقد حدثهم النبي في آخر الأمر وقبيل المعركة بقليل بنتائجها، وكيف أن فلاناً المشرك سيقتل هنا في هذا الموضع، وفلاناً يقتل هنا، وفلاناً سيقتل هنا، وقد وقع الأمر كما حدث به صلى الله عليه وسلم فإن أحداً من القتلى لم يجاوز مكانه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجمع قتلى المشركين حيث ألقوا في قليب واحد، وقال لهم ومنادياً إياهم بأسمائهم: يا فلان، ويا فلان. هل رأيتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد رأيت ما وعدني ربي حقاً!! حتى إن أصحابه قالوا له يا رسول الله كيف تخاطب قوماً قد جيفوا!! فقال صلى الله عليه وسلم: [ما أنتم بأسمع لما أقول منهم]!!

وكانت بدر آية وبرهاناً على صدق النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة:

1) منها إخباره بما كان فيها ثم وقوع الأمر كما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

2) ومنها أن فئة قليلة لم تخرج لقتال وإنما لغنيمة باردة (لغير ذات الشوكة) فإذا بها تفاجأ بجيش يفوقها ثلاث مرات جاء ليقاتل مفاخراً بقوته، مستنداً إلى خبرته ورجاله الأشداء المتمرسين.

ثم كانت النتيجة عكس ما يتوقعه المتوقعون وعلى خلاف العادة الجارية في أن الكثير يغلب القليل، والقوي يغلب الضعيف. فخرق الله العادة لأهل الإسلام وجعل الضعيف يغلب القوي، والقليل يهزم الكثير، وغير ذوي الخبرة في القتال من صبية الأنصار يقتلون الصناديد من المشركين، فقد قتل أبو جهل بأيدي ولدين صغيرين لا يتجاوز عمر الواحد منهم خمسة عشر عاماً، وهما معاذ ومعوذ أبناء عفراء!! وكذلك حدث الرسول صلى الله عليه وسلم بما يكون في أحد من الكسرة فقال: [رأيت في منامي فلاَّ بذباب سيفي (الفل: الكسر الصغير)، ورأيت بقراً يذبح]!! قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال: [يقتل رجل من أهل بيتي، ويقتل أناس من أصحابي]!!، فكان الأمر كما حدث به تماماً، فقتل حمزة بن عبدالمطلب شهيداً، وقتل سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أحد درساً بليغاً، ومحنة أعقبت خيراً كثيراً، ووقع الأمر كما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الخندق، وقد ضاق الحال، وظهر النفاق، وكُذِّبَ الرسول علناً جهاراً نهاراً فقال المنافقون: يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا، وقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ، وظن الجميع إلا خالص المؤمنين أن الإسلام انتهى وللأبد!! وأن صفحته قد طويت واستئصاله قد حان!! ولكن النبي صلى الله عليه وسلم في وسط هذا الجو المشحون بتكذيبه، والشك في موعود الله أخبرهم بما هو أكبر من هزيمة المشركين في هذه الواقعة.

أخبرهم بفتح كنوز كسرى وقيصر!! وقد ظن المنافقون والمشركون أن هذا هروباً إلى الأمام، ودغدغة للعواطف والأحلام... وكان الأمر يقيناً صادقاً، وحكماً فاصلاً، وردد المسلمون منذ ذلك الوقت وعبر العصور

(لا إله إلا الله وحده، صدق وعده،ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده).

وأخبر النبي أصحابه بدخول مكة معتمرين فدخلوها في السنة السابعة، ووقع صلح الحديبية الذي ظنه المسلمون أنه أعظم هزيمة كلهم، وأعظم كسرة حسوا بها، فقد ظنوا أنهم قبلوا بالدنية وهي أن يتخلوا عمن هاجر إليهم من المسلمين ويردوه إلى الكفار، وهذا من الذل والدنية، والعرب لا ترض أن يسلم العربي جواره، ويفرط فيمن يستغيث به، ويلوذ إليه، ولكن النبي أخبرهم أن هذا الصلح هو أعظم فتح في الإسلام، وقد كان، فلم يكن فتح أكبر منه. قال تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيماً* وينصرك الله نصراً عزيزاً}.

وقال جل وعلا: {لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون، فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً}. وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته أنهم يفتحون خيبر، وأن غنيمتها تكون لمن خرج معه في غزوة الحديبية فقط، وقد وقع الأمر كما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم تماماً. قال تعالى: {سيقول المخلفون من الأعراب إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم} الآية. والمغانم هنا فتح خيبر، وقد أخبر الله رسوله بذلك، قبل أن يتوجه إلى خيبر، وأخبره بما سيقوله المخلفون وبماذا يرد عليهم، ووقع الأمر كما حدث النبي صلى الله عليه وسلم تماماً.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بما تملك أمته من بعده فذكر فتح بلدان بأسمائها فارس والروم، ومصر، والقسطنطينية، وروما، ومشارق الأرض ومغاربها، ودخول الإسلام كل بيت في الأرض، وعلو الإسلام على الأديان كلها، وخضوع الجميع من أقصى الأرض إلى أقصاها لسلطانه. وقد وقع من هذا ما شاء الله أن يقع كما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما لم يقع فهو بسبيل الوقوع على النحو الذي حدث به تماماً صلى الله عليه وسلم. وحدث النبي أمته كذلك أنه بعد الفتوح العظيمة، والنصر الكبير سيعود بهم القهقرى حتى ترجع الجاهلية الأولى إلى جزيرة العرب نفسها قلب الإسلام، فتعبد اللات والعزى من جديد، وتضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة.

قال صلى الله عليه وسلم: [لن تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة]. وكذلك يرفع القرآن، وتهدم الكعبة، ولا يبقى في الأرض من يقول: الله!! الله!! ولا شك أن كل ذلك كان على النحو الذي حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه بعض الروايات في الفتوح:

قال صلى الله عليه وسلم: [إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها] (رواه مسلم). وقال أيضاً: [ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر] (انظر تخريجه الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 3).

(2) عودة العرب إلى الجاهلية في آخر الزمان:

وقال صلى الله عليه وسلم: [لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى]. فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} أن ذلك تاماً، قال: [إنه سيكون من ذلك ما شاء الله] (رواه مسلم ). قوله صلى الله عليه وسلم: [لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى] أي أنه لن ينقضي الزمان حتى يعود العرب مرة ثانية إلى عبادة اللات والعزى، ولكن ذلك في آخر الزمان كما قال صلى الله عليه وسلم: [لن تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة] (ودوس قبيلة عربية) (وذي الخلصة كان صنماً من أصنامهم في الجاهلية). ومعنى تضطرب إليات نساء دوس: أي وهم يطفن حول هذا الصنم.

وهذا إخبار منه بعودة الجاهلية إلى العرب في آخر الزمان، وعبادة ما كانوا يعبدون من الأصنام، ولكن هذه العودة لا تكون إلا بعد تمام الدين، ودخول الإسلام إلى كل مكان في الأرض، ودخوله كل بيت.

(3) إخباره بفتح القسطنطينية وروما:

فمن الفتوح الكبرى التي حدث بها رسول الله وبشر بها أمته فتح عاصمتي النصرانية القسطنطينية: عاصمة الكنيسة الشرقية. وروما: عاصمة الكنيسة الغربية.. وقد وقع الفتح الأول بعد ست قرون من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما أخبر به تماماً، وسيقع الفتح الثاني بإذن الله ومشيئته التي لا ترد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فعن أبي قبيل قال: كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبدالله بصندوق له خلق، قال: فأخرج منه كتاباً. قال: فقال عبدالله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مدينة هرقل تفتح أولاً]. يعني قسطنطينية (رواه أحمد والدارمي وغيرهما وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).

فأي دليل أكبر من هذا من أدلة نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟!

(4) إخباره صلى الله عليه وسلم بغزو أمته في البحر:


وقد فصل النبي صلى الله عليه وسلم تسلسل الأحداث، فأخبر أن أمته ستغزو في البحر: قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدالله بن يوسف عن مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله!! قال: [ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة -شك إسحاق-] قالت فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: [ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله –كما قال في الأول] قالت: فقلت: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: [أنت من الأولين]!! فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت (أخرجه مسلم 3/1518).

قلت: وقبر أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها معروفاً بجزيرة قبرص إلى اليوم!!

قال البخاري رحمه الله: حد ثنا إسحاق بن يزيد الدمشقي حدثنا يحيى بن حمزة قال حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العنسي حدثه: أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحة حمص وهو في بناء له ومعه أم حرام. قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا]. قالت أم حرام: قلت يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: [أنت فيهم]، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم]. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال:[لا].

قلت: مدينة قيصر هي القسطنطينية.

(5) إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح مصر:

قال مسلم رحمه الله: حدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني حرملة (ح) وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب حدثني حرملة وهو ابن عمران التجيبي عن عبدالرحمن بن شماسة أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها. قال: فمر بربيعة وعبدالرحمن ابني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها. حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد قالا حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت حرملة المصري يحدث عن عبدالرحمن بن شماسة عن أبي بصرة عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً، أو قال: ذمة وصهراً، فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فأخرج منها]. قال: فرأيت عبدالرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها.

قال الإمام الطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار: إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي قد حدثنا قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن فتحتم مصراً فاستوصوا بالقبط فإن لهم ذمة ورحماً]. ثم قال الطحاوي رحمه الله: ووجدنا إسحاق أيضاً قد حدثنا قال حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد قال حدثني الوليد بن مسلم ثم ذكر بإسناده مثله. ووجدنا إسحاق قد أخبرنا قال حدثنا محمد بن مسلم بن وارة قال حدثني محمد بن موسى بن أعين قال ثنا أبي عن إسحاق بن راشد عن عبدالرحمن بن كعب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو وزاد فيه: [إن أم إسماعيل منهم] (أي هاجر عليها السلام).

الحديث أخرجه الحاكم فقال: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ الحسن بن علي بن زياد ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً]. قال الزهري: فالرحم أم إسماعيل منهم. قلت: وهي أم جميع العرب الذين تناسلوا من إسماعيل عليه السلام وهم العدنانيون والقحطانيون جميعاً، فالصحيح أن العدنانيين والقحطانيين كلهم من نسل إسماعيل لقوله صلى الله عليه وسلم للقحطانيين: [ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً] (رواه البخاري).

(6) إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح خيبر على يدي علي رضي الله عنه ثم إخراج اليهود منها:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه تخلف عن رسول الله في خيبر، وكان به رمد. فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لأعطين الراية، أو قال: ليأخذن غداً رجل يحبه الله ورسوله] أو قال: [يفتح الله عليه]، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليه (أخرجه مسلم 4/1872). قال مسلم رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبدالرحمن القاري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: [لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه]. قال عمر بن الخطاب: وما أحببت الإمارة إلا يومئذ، قال: فتساورت لها رجاء أن ادعى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها، وقال: [امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك] قال: فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: [قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله].

(7) إخباره صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود من خيبر:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو محمد حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لما فدعأهل خيبر عبدالله بن عمر قام عمر خطيباً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالهم وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبدالله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: ظننت أني نسيت قول رسول الله: [كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟] فقال: كان ذلك هزيلة من أبي القاسم. فقال: كذبت يا عدو الله، فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك (رواه حماد بن سلمة عن عبدالله أحسبه عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم).

(8) إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الأمصار وخروج أصحابه تاركين المدينة إليها:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [تفتح اليمن فيأتي قوم يبسُّون، فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسُّون فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون] (أخرجه مسلم ). قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبدالعزيز يعني الدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد].

(9) إخباره صلى الله عليه وسلم بقتال اليهود آخر الزمان:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله] (متفق عليه). قلت وهذا من الفتوح التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تقع بعد، وسيكون الأمر كما حدث به صلى الله عليه وسلم تماماً، وسيكون هذا آية لمن يراها من المسلمين، وليقول كل جيل من أجيال المسلمين كلما رأوا آية نشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً رسول الله!!
 
Top