رسالة إلى أهلي في بلاد القبائل والأمازيغ

ineslem

Junior Member
إن مخاطبة الأصل والمعدن الذي منه ينْحدر المرء لا يُضاهيه خطابٌ آخر - أيًّا كان نوعه - في بعض أوصافه؛ فإن الأول يتوجه المخاطِب به إلى أصوله المتقدمة عليه، بينما يتوجه بالثاني إلى معارفَ حادِثَةٍ، إنه خطاب أعماق الواحد منا إلى نفسه خطابًا فطريًّا، اللسان والقلب فيه شيء واحد؛ لذلك جاءتْ سماحة ديننا الحنيف بما يُوافق الطبع، ويُوافق الفطرة مِن ميل أحدنا إلى أصله وأرض أجداده، كما أكَّدتْ شريعة الإسلام على هذه المعاني.

فأما تَوافُق الإسلام مع ذلكُم الطبع وتلكُم الفِطرة، فيكفينا ما وردتْ به أخبار سيرة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أعلن تعلُّقه العاطفي بأصوله المكية، مؤكدًا أنه ما كان ليخرج منها لولا اضْطِرار كُفارها ونداء الوحي بمفارقتها إلى المدينة؛ حيث أُخرج من مكة ووقف على أطرافها وهو يقول: ((وَاللهِ، إِنكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ، وَاللهِ، لَوْلا أَني أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ))؛ رواه ابن ماجه.

وأما تأكيد الشريعة على الجانب العملي بما يحفظ التعلق المعنوي بالأصول، فإن ذلك أكبر مِن أن يُذكر أو يُختصر في صدر هذا المقال، فإن القرآن الكريم والسنة النبوية تضمَّنا العديدَ مِن النصوص التي تحثُّ على صِلة الرحم، وتُرغب فيها، وتَتَوَعَّد وتُهدد مَن يقطعها؛ بل وتُبشر بعاجل حسنات ذلك في الدنيا مِن البركة في الرزق والعمْر، عِلاوَة على الوصية بتقديم القريب على البعيد عند الاختيار.

فيا أهلي في بلاد القبائل:
أنتم مني أهلاً وعشيرةً، وأنا منكم أخًا وابنًا، وسيُكذب قلبي لساني لو نَطقتُ بخلاف هذا مُتنكرًا؛ فإننا نملك ألسنتنا، ولا نملك قلوبنا، فكيف وقد انْضاف إلى هذه العَلائِق الطبيعية، والوصائِل الفطرية روابطُ الإيمان، وأخوة الإسلام؟! فلا شك بعد ذلك في استحكام الصلة واستقوائِها، بعد ترتب حقوقٍ عليها قد أَوجب الإسلامُ الحِفاظَ عليها، ونَهى عن التفريط فيها؛ فبَذلُ النصح وغَرسه، والإعانةُ على البِر والنهيُ عن ضِده، وكف الأذى ودفعُه، وحِفظُ العِرض وصَونُه، ورد الظلم ورفعُه، وغيرُها مِن الحقوق - معالمُ عظيمةٌ، لا ولم توجَد في دين مِن الأديان المحرفَة، أو مَذْهَب مِن المذاهِب الأرضية، فهي تَسْمو بالروح الواحدة، ويتماسك بها الجسد الواحد؛ قال نبيُّنا محمد - صلى اللـه عليه وسلم -: ((مَثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))؛ رواه البخاري ومسلم.

فلا عَجَب بعد ذلك - أيها الأهل - أنْ تَتزين علاقة الرحِم بأنوار الإيمان، فإذا بها قلوب في قلب واحد، يَضخ الدماء في جسد واحد، يَسْعد الجميع بسعادة الفرد، ويَتألم الكل لألمِ البعض، والحمد لله الذي جمعنا على الإيمان، بعدما جمعنا بما فطر عليه الإنسان.

والله، إنني أخاطبكم وأنا أَتقلب بين محاولة الإحاطة بجوانب موضوعي، والاجتهاد في اختصاره؛ لأدفع تطويلاً مُمِلاًّ، وأجتنب اختصارًا مُخِلاًّ؛ فإن الموضوع يستحق أوراقًا كثيرة، وكُتبًا عديدة، ولعله يكون مني شيء مِن ذلك - بإذن الواحد الأحد - في مستقبل الأيام، لكن عُرْف الرسائل وأدب الخِطاب يقتضي مني اختصارَ الكتابة قَدْر الإمكان، وخيرُ الكلام ما قَلَّ ودل، مع الإشارة في موضع الإشارة، والتفصيل عند ضرورة التفصيل.

يا إخواني في بلاد القبائل:
يَتَزلزَل صدري، ويَحار عقلي، ويَشْخَص بَصَري كلما أَتلقى أخبارًا، أو أقرأ أرقامًا تَتعلق بالتنصير وما يفعله على أرض آبائي في بلاد القبائل المسلمة فعلَ النار على الهَشيم، لا أريد بهذه الكلمات تعظيم ما حقُّه التحْقير، وتضخيم ما حظه التسفيه، وإنما هي أرقام أفْزعَتْني في يومي، وأرقتْني في ليلي، وأنا مع هذا أعتبر نفسي في آخر أمة القبائل بِأحرارها وحرائرها الأمازيغ بهذا القلق والاهتمام.

لكنْ لم تَكن الأخبار والأرقام أشدَّ وقعًا على نفسي مِن مجرد كوْن هذا العَقرب المنطلِق مِن جُحْرٍ حقير؛ لمهمةٍ أحقَر - قد وَجد فرصة اخْتراق بلادكم؛ ليُنجس أرضها الطاهرة بخُطاه، ويلدَغ أهلَها بسُم تنصيره، البلاد التي كانت بالأمس مضرب المثل في البطولة والعظمة، والإيمان بالله وحب دينه الحق، وبَذْل كل غالٍ ونَفيس؛ نشرًا له، وحِفاظًا عليه، ودفاعًا عنه، بلاد الأمة التي قال لنا فيها شيخنا العالم الطاهر آيت علجات - القبائلي - يومًا بعد أن زرناه في بيته - ما لفظُه: "بلاد القبائل بلاد الإسلام، ولهذا العدو لما رأى في هذا خير وبركة وجهاد وجهود وبطولة، أَحبَّ أنْ يَزرعَ فيها الفتن... بلاد القبائل بلاد الحضارة الإسلامية، ما رأيت مثل بلاد القبائل، تجولتُ كثيرًا في العالم، والله إلا فيما كنتُ لست أدري، ما رأيتُ مثل بلاد القبائل في التدين والأخلاق والمعاملات..."، إنها شهادة رجل عالم مجاهد، كان مفتيًا للمنطقة العسكرية التي كانت تحت قيادة البطل عميروش - رحمه الله - إبان ثورة التحرير، ثم أكد لنا الشيخ - حفظه الله - أنه لم يقل ذلك تعصبًا لأصله؛ وإنما لحقيقة مُجربة.

يا أحبائي في بلاد القبائل:
لقد تسامع الناس، وتحدَّث الإعلام حول الحملات والمحاولات التنصيرية التي تقودها أطرافٌ تنتسب إليكم، وتتكلم بلسانكم، مِن ورائها أيادي منظمات نصرانية خارجية، تَحمِل أبعادًا سياسية مكشوفة، تشترك بنفسها في العملية مِن خلال بعض زياراتها إلى المنطقة، وقَطَع الله لسانًا ينطق بلغة الشرفاء، ثم يَعمل عمل السفهاء، الشرفاء الباقون على عهد الرجال والنساء الذين عاشوا بإسلامهم سعداء، وماتوا في سبيله شهداء، بعد أنْ حاولت فرنسا قرنًا مِن الزمان تنصيرهم بالترغيب مرة، وبالترهيب مرات، وبَتَرَ الله الأيادي الآثمة المُضرمة النيران على بيوتٍ مُطمَئنة آمنَة بدينها الحق، مُؤْمنة بربها الواحد الأحد.

أتتحداكم شِرذمةٌ شاذة ناشِزَة على أرضكم، وبين أظهركم، مُعلنَةً دعوتها إلى كفر أبنائكم وإخوانكم؛ لتعمل ما لم تستطعْه فرنسا الاستعمارية بحديدها وعَديدها؟! أيحدث هذا في دياركم وأنتم مِن أصل ينحدر منه القائد طارق بن زياد الذي فتح الأندلس بالإسلام، والإمام عبدالحميد بن باديس العالم المُصلح، والشريفة لالا فاطمة نسومر بنت الشرفاء والعلماء، والبطل الشهيد عميروش الذي لم يُفارِق كتابُ الله جيبَه، وغيرهم؟!

إنهم حمقى رغم أنوفهم وإن استمرؤوا عمالتهم لأسيادهم، وإنهم ليسوا أمازيغَ ولو زعموا؛ فإن الأمازيغي لا يُمكن أنْ يكون إلا حرًّا شريفًا، وإلا فلْنَبحث للأمازيغية عن معنى آخر إذا كان هؤلاء أمازيغَ!

يا أعزائي في بلاد القبائل:
لماذا التركيز على منطقتكم أكثرَ مِن بقية المناطق على أرض الجزائر الشاسعة؟ إنه تركيزٌ له امتدادُه التاريخي؛ حيث تم إبان الاحتلال الفرنسي لبلدنا إنشاء جمعية تنصيرية تتكفل بدعوة سكان إفريقيا إلى النصرانية انطلاقًا من الجزائر، مُركزين على منطقة القبائل أكثر من غيرها؛ ظنًّا منهم أنها المنطقة الأكثر تأهيلاً لنجاح دعوتهم، وتحقيق أهدافهم، مستغلين في ذلك العواملَ اللُّغوية والعرقية والجغرافية، ومحاولين تشويه الحقائق التاريخية كذِبًا، بادعاء أن الأجداد الأوائل كانوا مسيحيين، واختار أصحابها ارتداء البرانس البيضاء كوسيلة مِن وسائل تَغَلْغُلِهم في وسط المسلمين، ولَعمري كأنهم لبِسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب! ومِن حينها اشتهروا لدى الجزائريين عامة، والقبائل خاصة، بالآباء البيض (Pères blancs)، فسعوا سعيَ أقرانهم مِن المستعمرين العسكريين إلى تغيير هُوية القبائل، وتحويلهم عن دينهم الإسلامي إلى النصرانية، إلا أن أولئك توسلوا لنفس المهمة بالترهيب بواسطة الآلة الحربية، وتوسل هؤلاء بالترغيب بواسطة الاجتهاد إلى كسب القلوب وفتنة المسلمين؛ للوصول إلى هدف واحد، ألا وهو نشر هذا الدين الباطل، المُستوحَى مِن كتاب مُحرَّف، والمبني على فكر خرافي - بين القبائل وسائر الجزائريين، فركَّزوا على ضِعافِهم بالنشاطات الاجتماعية والثقافية، كما فعلوا بين الشعوب الإفريقية والآسيوية والأمريكية، واسألوا أجدادكم؛ ليمدوكم بالمزيد من القصص في ذلك.
يا أهلَ الإسلام على أرض الإسلام في بلاد القبائل:
لا يخدعنَّكم المنَصِّرون بحبالهم وحيلهم، التي قد يراها البعض كأنها حيَّة تسعى، وما هي في الحقيقة إلا مكر وشبهات، قد خططوا مشروعها في الظلام؛ لاستدراجكم وأبنائِكم تحت الضوء، فهم خفافيش بالليل، وذئاب في النهار.

لا يَخْدعَنكم رفعُهم شعار حرية الاعتقاد واختيار الدين، وأنكم متى اخترتم دينًا من الأديان - سواء كان الإسلام، أم النصرانية، أم اليهودية - فأنتم عابدون لله على كل حال؛ فوالله إنهم لكاذبون بزعمهم هذا، الذي ما أظهروه إلا تَلْبيسًا ومَكْرًا وخِداعًا؛ فالنصارى أصلاً يُكَفِّر بعضهم بعضًا، فالبروتستانت يُكَفِّرون مَن كان كاثوليكيًّا أو أرثوذكسيًّا، والكاثوليكي يُكفر مَن ليس على الكاثوليكية مِن النصارى، والأرثوذكسي يُكفر مَن ليس على الأرثوذكسية مِنهم، فكيف يُصحح النصارى اعْتقادَ بقية الأديان، في الوقت الذي تُكفرُ فيه طوائفُهم بعضها بعضًا؟! وقد ذَكَر الله حقيقة هؤلاء جميعًا في القرآن الكريم، حين قال - سبحانه -: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113]؛ بل كيف يَصح عقلاً أنْ يكون الإيمان بوحدانية الله والإيمان بعقيدة التَّثْليث شيئين صحيحين، وهما عقيدتان متناقضتان كل التناقض؟! أليس يَعْتقِد النصارى أن مَن لم يؤمن بألوهية عيسى - عليه السلام - فهو كافر مِن أهل النار؟! فمَن مِن المسلمين يَعْتقِد ذلك في عيسى - عليه السلام - وهم يُؤْمنون بأنه عبدٌ لله ورسولُه كما يؤمنون بذلك في محمد - عليه الصلاة والسلام؟! لكنْ - كما قلتُ - هذه طريقة مِن طرائق المكر والخداع؛ حتى يجد هؤلاء طريقًا إلى قلوب الناس وعقولهم، وإلا فلِمَ يتَكلفون المتاعب، ويُنْفِقون الأموال في دعوة المسلمين إلى ترْك دينهم، والتحول إلى النصرانية، ما داموا يَزْعمون أن كلاًّ مِن الإسلام والنصرانية مِن عند الله؟


http://daawabejaia.com/2012-10-09-10-08-58/2012-10-09-10-09-38/990-2013-12-29-07-57-06
المقال كاملا
 
Top