عندما اهتز عرش الرحمن

abo mussaab

Banned
وكم رجل يعد بألف رجل وآلاف تمر بلا عداد
تعجبني هذه المقولة لأنها تقارن بين صنفين من الناس..الصنف الأول ترى الواحد منهم رجلا بأمة وأمة في رجل...فهو ما دام حيا سدٌّ منيع أمام الفتن، حارس للخير، قامع للشر...تتعلق به قلوب المؤمنين ويرون فيه عزوة وملاذاً لهم... وإن مات بقي لذكراه العطرة أصداء تتردد في حنايا الكون، فإذا ذُكر اسمه حنَّت الأفئدة وارتفعت الهمم ولهجت الألسنة بالدعاء والثناء...وهو مع ذلك كله يُذكر اسمه في الملأ الأعلى...
الناس صنفان: موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء
بينما الصنف الثاني هم كما قال فيهم ابن القيم:
(من لا بصيرة له في الدين ولا قوة على تنفيذ الحق. وهم أكثر هذا الخلق. الذين رؤيتهم قذي للعيون وحمي الأرواح وسقم القلوب يضيقون الديار ويغلون الأسعار ولا يستفاد من صحبتهم الا العار والشنار)...أناس تضيق بهم الطرق وتقل الموارد أمام كثرتهم فترتفع الأسعار، ويسببون تلوثا في البيئة بمخلفاتهم الصلبة والسائلة والغازية! ...لكن لا دور لهم في هذه الدنيا...لا يدفعون شرا ولا يجلبون خيرا... أموات غير أحياء، وما يشعرون أيان يبعثون.
وهذه التقسيمة واردة في رسالة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى كميل بن زياد يقول له فيها:
(احفظ ما أقول لك. الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق).
فدعونا نُحلق في سيرة واحد من الصنف الأول...تلميذٍ في مدرسة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم... سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه...سيد من سادات الأنصار...الرجل الأمة...
عندما أسلم سعد وقف على قومه بني عبد الأشهل فقال: (يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون رأيي فيكم وأمري عليكم؟) قالوا: (أنت خيرنا رأياً). قال: (فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده وتشهدوا أن محمداً رسول الله وتدخلوا في دينه). فما أمسى من ذلك اليوم في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا أسلم) (الثقات لابن حبان).
وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتراض قافلة قريش فجمع الله بينه وبين كفار قريش على غير ميعاد، تحرج رسول الله أن يطالب الأنصار بأن يحاربوا الكفار معه، وذلك لأن رسول الله كان قد عاهد الأنصار وهو بمكة في بيعة العقبة على أن يحموه في المدينة من أي عدو يهاجمه ليستأصل دعوته، لكنه لم يطالبهم في هذه البيعة أن يحاربوا عدوا خارج المدينة... فهم سعد سبب تحرج النبي فقال له:
(..فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة. فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد. وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله).
وفي رواية : (لعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي أحدث الله إليك فامض. فصِل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعادِ من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت) (صحيح السيرة النبوية)... كلمات من ذهب أثلجت صدر النبي فانطلقوا للمعركة وكان النصر المبين...كلمات كلما ذكرتها اقشعر جلدي وعلت همتي.
وعندما حكم سعد في يهود بني قريظة لغدرهم وخيانتهم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( لقد حكمت فيهم بحكم الملك)) (البخاري)...أي بحكم الله عز وجل.
وأصيب سعد في خزوة الخندق إصابة توفي على إثرها هذا الرجل الأمة...بعدما وفى بعهده مع رسول الله في بيعة العقبة وشهد مع رسول الله المعارك وصبر معه على الحصار ووضع أقدام قومه على طريق الجنة...
فكانت وفاته حزنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين...لكن المفاجأة هي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ)) (البخاري ومسلم)
تصور أن يهتز عرش الرحمن الملك القدوس سبحانه وتعالى لموت بشر...لكن ليس أي بشر. إنه....سعد بن معاذ الأنصاري.
وفي المقابل، يموت الملايين ممن لا يهتز لهم عرش الرحمن، ولا تبكي عليهم السماء ولا الأرض...لأنهم أصفار. قال عليه الصلاة والسلام:
((يُقبض الصالحون الأول فالأول وتبقى حفالة كحفالة التمر والشعير لا يعبأ الله بهم شيئا)) (البخاري).
فهل تريد يا أخي، وهل تريدين يا أختي، أن تكون وتكوني كسعد بن معاذ...يحفل بك الله في حياتك ومماتك... أم ممن لا يبالي الله بهم عاشوا أم ماتوا؟
 

Attachments

  • saad.png
    saad.png
    18.6 KB · Views: 1
Top