أهمية تعلم العقيدة الصحيحة

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
--------------------------------------------------------------------------------

أهمية تعلم العقيدة الصحيحة

الشيخ هشام فهمي العارف


هناك ارتباط قوي بين طلب العلم الشرعي ، والاعتقاد الصحيح . الله عز وجل حث على طلب العلم من أجل أن يكون لدى المسلم حصانة قوية وكافية للمحافظة على سلامة الفطرة التي خلقت على التوحيد "الاسلام" . لذلك كان أول الذي أوحاه الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : اقرأ. فنبه بها على أعلى أسباب القرب إليه وهو العلم ، وحض في خاتمتها على نتيجة العلم وهو العلم المقرّب إليه جل وعلا ، فقيل له ( اسجد واقترب) وحاصله إعلم واعمل . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : "إن الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين ، وهي الأدلة العقلية الدالة على ثبوت الصانع وتوحيده ، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى المعاد إمكاناً ووقوعاً" .

سبق سورة اقرأ سورة التين في ترتيب المصحف وفيها قول الله تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وفيها ما أنعم الله تعالى على الإنسان وخصه من انتصاب القامة ، وحسن الصورة ، وبما أعطي عقلاً وروحاً ومكن من أسباب المعرفة الظاهرة كالسمع والبصر والذوق واللمس والشم ، والباطنة كالإحساس والشعور والعاطفة ، فجاءت سورة العلق لترشده إلى استعمال هذه الأسباب وبما أعطي من النعم في طلب العلم لمعرفة الخالق الذي يربيه ويرعاه ، ومن ثم عبادته العبادة الحقة الصحيحة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسلك في الحياة الدنيا مسلك الذين أنعم الله عليهم ، فالإنسان مكرم من الله تعالى وختم الله تعالى سورة التين بقوله (أليس الله بأحكم الحاكمين ) وهذا استفهام تقريري جوابه أن الله تعالى هو الذي يعلم العباد بحكمته لذا طالبهم في سورة العلق بالقراءة والتعلم ، ثم جاءت سورة القدر بعدها لتبين عظمة ما في كتاب الله تعالى المقروء والمتعبد بتلاوته الذي أنزله في ليلة مباركة وأنه مصدر مهم في التعلم ومعرفة الله تعالى فقال (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ، وإذا قرأ المسلم كتاب الله تعالى كان قريباً من الله تعالى فلما ختم الله تعالى سورة العلق بالأمر بالسجود والاقتراب من الله ، كان المقصود من الاقتراب أن يتعلم المسلم دينه ويتقرب إلى الله بالطاعة والذل والخضوع والدعاء وأحسن صوره الصلاة ، ولا تكون صلاة إلا بقرآن .
وقال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ : "وهذا مما يدل لأول وهلة أن الصلاة أعظم قربة إلى الله ، حيث وجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم من أول الأمر".
وينبغي أن يعلم أن تحقيق التوحيد يستحيل أن يتم كله أو شيء منه إلا بالعلم . لأن العبادة ، أية عبادة لا تصح إلا باجتماع شرطين :
الأول : إخلاص النية فيها لله عز وجل ، بحيث لا يقصد بها إلا وجهه سبحانه ، وضده الشرك والرياء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : "وكلما حقق العبد الإخلاص في قـول : لا إله إلا الله خرج من قلبه تأله ما يهواه ، وتصرف عنه المعاصي والذنوب ، كما قال تعالى في سورة يوسف : (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24) . فعلل صرف السوء والفحشاء عنه بأنه من عباد الله المخلصين ، وهؤلاء الذين قال فيهم في سورة الحجر : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ..(24) . وقال الشيطان كما في سورة ص : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ(83) . وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرمه الله على النار". ولهذا كان العبد مأموراً في كل صلاة أن يقول : (إياك نعبد وإياك نستعين) . وابتدأ العلماء حديثهم في كتبهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات ..الحديث ) وقال تعالى في سورة البينة يبين أساس دين القيمة : (وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(5) .

الثاني : متابعة الشرع فيها وفق ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة أو نقصان . وهذا لا يتم إلا من ذي علم . وضده الجهل والبدع واتباع الهوى .
وهكذا فإن العمل إذا كان خالصاً ، ولم يكن صواباً لم يقبل . وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل . فلا يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً . والخالص أن يكون لله تعالى ، والصواب أن يكون على السنة .
إن الإخلاص وإن كان أساس كل شيء ، إلا أنه ليس كل شيء . إذ لا بد أن يضاف إليه العلم ، وإلا انعكس سير العبد إلى الخلف أو ظل مكانه .
وقد قال العلماء الطرق مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم).
وقال تعالى في سورة يوسف : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(1.8). فقوله تعالى : (عَلَى بَصِيرَةٍ ) : أي على علم ويقين .
فالعقيدة الصحيحة من أجل أن تكون عبادتك خالصة لله تعالى . والعقيدة الصحيحة من أجل أن تكون عبادتك لله تعالى على علم وبصيرة ويقين . والعقيدة الصحيحة من أجل أن يقبل عملك الصالح وتثاب عليه . .......................... تعلم العقيدة الصحيحة يكون من مصادرها الصحيحة :
في سورة النحل بيَّن الله تعالى أنه خلق الناس لا يعلمون شيئاً ، ثم زوَّدهم بوسائل المعرفة ، قال تعالى : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(78). قال السعدي ـ رحمه الله ـ : خص الله تعالى هذه الأعضاء الثلاثة ، لشرفها ، وفضلها ، ولأنها مفتاح لكل علم .
قلت: بعد أن منَّ الله علينا بهذه الأعضاء المهمة ، نبَّه على أهمية استعمالها في طاعة الله تعالى ، فمن استعملها في الحق ، استعمله الله في العمل الصالح ، فيكون العبد بعدئذٍ ، عبداً لله شاكراً.
لذا ذمَّ الله الكثرة التي سقطت في الابتلاء فقال في سورة النمل : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ(73).
وامتدح القلَّة فقال في سورة سبأ : (..اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ(13). وقال في سورة المؤمنون : (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ(78).
وتحديد مصدر العلم الصحيح ، أو المعرفة الصحيحة ، من أهم قضايا المنهج الصحيح .
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "مجموع الفتاوى" (2/4): "ولهذا كان طائفة من أئمة المصنفين للسنن على الأبواب ، إذا جمعوا فيها أصناف العلم ، ابتدأوا بأصل العلم والإيمان ، كما ابتدأ البخاري صحيحه ببدء الوحي ونزوله ، فأخبر عن صفة نزول العلم والإيمان على الرسول أولاً، ثم أتبعه بكتاب الإيمان الذي هو الإقرار بما جاء به ، ثم بكتاب العلم الذي هو معرفة ما جاء به، فرتبه ترتيبه الحقيقي ، وكذلك الإمام أبو محمد الدارمي ـ رحمه الله ـ صاحب المسند، ابتدأ كتابه بدلائل النبوة".
وبيَّن ابن القيم في كتابه "الفوائد" (صفحة :116) أن سبب انحراف المنحرفين مرتبط بانحرافهم عن مصدر المعرفة الصحيح ، فقال : ومن هنا يتبين انحراف أكثر الناس عن الإيمان لانحرافهم عن صحة المعرفة وصحة الإرادة .
ثم بيَّن مصدر المعرفة الموصل إلى الاستقامة والهدى فقال :
"ولا يتم الإيمان إلا بتلقي المعرفة من مشكاة النبوة ، وتجريد الإرادة عن شوائب الهوى وإرادة الخلق ، فيكون علمه مقتبساً من مشكاة الوحي ، وإرادته لله والدار الآخرة ، فهذا أصح الناس علماً وعملا ً، وهو من الأئمة الذين يهدون بأمر الله، ومن خلفاء رسوله في أمته" .أ.هـ
فأول مصدر من مصادر المعرفة لدى المسلمين ، هو الوحي من كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو مصدر المعرفة الحق الذي بدونه لا تستقيم حياة ، ولا ينعم عيش ، فهو هدى الله الذي أنزله لهداية الناس وإصلاحهم . وهم لا يعدلون بهذا المصدر بديلاً ، ولا يرون له مثيلاً ، فهو مصدر اصطفاه الله لهم .
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "مجموع الفتاوى" (1/3):
وبعث الله محمداً بأفضل المناهج والشرع ، وأحبط به أصناف الكفر والبدع ، وأنزل عليه أفضل الكتب والأنباء ، وجعله مهيمناً على ما بين يديه من كتب السماء . وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالله . وهو شهيد عليهم ، وهم شهداء على الناس في الدنيا والآخرة بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة ، وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة إذ لم يبق بعده نبي يبيِّن ما بدل من الرسالة ، وأكمل لهم دينهم ، وأتم عليهم نعمه ورضي لهم الإسلام ديناً ، وأظهره على الدين كله إظهاراً بالنصرة والتمكين ، وإظهاراً بالحجة والتبيين ، وجعل فيهم علماءهم ورثة الأنبياء يقومون مقامهم في تبليغ ما أنزل من الكتاب ، وطائفة منصورة لا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى حين الحساب . وحفظ لهم الذكر الذي أنزله من الكتاب المكنون كما قال تعالى في سورة الحجر: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9). فلا يقع في كتابهم من التحريف والتبديل كما وقع من أصحاب التوراة والإنجيل . وخصَّهم بالرواية والإسناد الذي يميز به بين الصدق والكذب الجهابذة النقاد ، وجعل هذا الميراث يحمله من كل خلف عدوله أهل العلم والدين ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، لتدوم بهم النعمة على الأمة ، ويظهر بهم النور من الظلمة ، ويحيي بهم دين الله الذي بعث به رسوله ، وبيَّن الله بهـم للناس سبيله ، فأفضل الخلق أتبعهم لهذا النبي الكريم المنعوت في قوله تعالى في سورة التوبة : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(128). أما المصدر الثاني من مصادر المعرفة فهو الكون بسمائه ، وأرضه ، وشجره ، وحجره ، وجميع الخلق فيه .
قال الله تعالى في سورة الغاشية : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19) وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(2.) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ(21).
تعلم العقيدة الصحيحة من كتاب الله تعالى ـ القرآن ـ :
لذلك كان قول الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم في سـورة الشـورىوَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52) .
قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ : والضمير في قوله تعالى : (وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا ) راجع إلى القرآن العظيم المذكور في قوله : (رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) ، وقوله : (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ ) ومعنى هذا : ولكن جعلنا هذا القرآن العظيم نوراً نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا . وسُمِيَ القرآن نوراً لأنه يضيء الحق ويزيل ظلمات الجهل والشك والشرك كقوله تعالى في سورة النساء : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قد جاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوْرَاً مُبِيْناً) ، وقوله تعالى في سورة الأعراف واتَّبِعُوا النُّوْرَ الَّذِي أَنْزَلْنَا مَعَهُ) .
فيجب على كلِّ مسلمٍ أن يستضيء بنور الق
شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net

 
Top