تحريم الحزبية للشيخ علي حسن الحلبي الآثر&#1610

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member

(( من بدهيات الأمور عند المسلمين كافة أن الإسلام ربط المسلمين برابطة لا يمكن لأي تنظيم وضعي مهما حصل عليه من القوة والدقة أن يصل إلى مثلها وأن العلاقة أو الأخوة الإسلامية هي أساس الولاء والبراء في الإسلام فالمسلم ولي المسلم سواء عرفه أم لم يعرفه بل ولو كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب. وهذا يعني أن الإسلام لا يتحمل في داخله تنظيماً آخر بحيث تكون أسس ذلك التنظيم وقواعده أساساً للولاء والبراء لأن هذا النوع من التنظيم يقتضي أن من انتظم فيه يستحق العون والنصرة والإخاء وغيرها من الحقوق ومن لم ينتظم فيه لا يستحق تلك الحقوق مع أن الإسلام أعطى المسلم جميع هذه الحقوق لمجرد كونه مسلماً لا لسبب آخر.

ومن هنا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( لا حلف في الإسلام وأيما حلفٍ كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدةً ) رواه مسلم (2530).

وذلك أن الإسلام لما قضى على جميع المواد التي كانت أساس الولاء والبراء في الجاهلية وجعل الإسلام نفسه مادة الولاء والبراء وجعل جميع المسلمين سواسيةً في الحقوق لم يبق عنده مجال لتعدد الجماعات والكتلات المتفرقة بحيث لا يكون لإحداها حقوق وعلاقات بالأخرى حتى يحتاج إلى عقد التحالف بينهما.

فالحديث يفيد أن التحزب والافتراق إلى جماعات وأحزاب أمر لا يطابق معنى الإسلام ولا يتصور فيه لأن مجرد التمييز بمحالفة خاصة يجعل غير الحليف في مكان أدنى من الحليف وهذا لا يجوز في شرع الله إذ الدنو والعلو مرده للطاعة لا لغيرها مما يخالف الائتلاف والجماعة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله : ( وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته يوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة بل هذا فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون ) .

وهذا حال كثير من الجماعات والأحزاب الإسلامية اليوم أنهم ينصبون أشخاصاً قادة لهم فيوالون أولياهم ويعادون أعداهم ويطيعونهم في كل ما يفتون لهم دون الرجوع إلى الكتاب والسنة ودون أن يسألونهم عن أدلتهم فيما يقولون أو يفتون.

ومثل هذه المناهج لا تصلح أن تكون أساساً للتغيير ووحدة صف المسلمين بل ولم يحدث أن توحدت كلمة المسلمين على مذهب من المذاهب أو على حزب من الأحزاب رغم المحاولات التي بذلتها بعض الدول من أجل فرض ذلك المذهب أو ذلك الاتجاه القبلي أو الحزبي .

وفي إطار هذا المعنى يمكن فهم حكم الأحزاب السياسية في الإسلام : فإن الأحزاب السياسية تنظم أهلها على أسس وقواعد تختارها ثم تجعل الانتماء إلى الحزب أساس الولاء والبراء فالحزب حينما يحسن إلى من لم يدخل فيه لا يتعامل معه إلا معاملة لا تزيد على البر والإقساط الذي سمح الله للمسلمين أن يعاملوا به المشركين في قوله : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) .

أما الولاء الذي هو فوق هذا البر فإن الحزب لا يعامل به إلا من دخل فيه وانتمى إليه .

بعد ذلك أقول : إذا قلنا بتكوين الأحزاب السياسية في الإسلام فالحزب أما أن يجعل الإسلام هو أساس الولاء والبراء أو يجعل أمراً آخر غيره فإن الإسلام هو الأساس فإن الإسلام لا يحتاج إلى إقامة حزب آخر أو تنظيم جماعة أخرى بل هو نفسه يكفي لذلك .

والمقصود أن الشريعة المطهرة قد حرمت كل ما من شأنه أن يقطع صلة المسلم بأخيه المسلم كما أنها ألزمت وأوجبت كل ما يؤدي إلى ربط صلة المسلم بأخيه المسلم ومحبته له .

بذا يكون قد ظهر الحكم وبان القول واستقر المنع مؤيداً ذلك كله بوجوه كثيرة : عقلية ونقلية داخلية وخارجية مما لا يستطيع أحد دفعه بإذن الله إلا بالكلمات الجوفاء والنكير والتنفير وذا لا يسوى بالنقير !!

والحمد الله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . ))

نقلا من كتاب (( الدعوة إلى الله بين التجمع الحزبي والتعاون الشرعي )) ( ص 103 –107 ) للشيخ علي حسن علي عبد الحميد الحلبي الآثري
 
Top