الاحتفال بالأعياد المبتدعة

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
الاحتفال بالأعياد المبتدعة
ما هو حكم الشرع في الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعيد مولد الأطفال ، وعيد الأم ، وأسبوع الشجرة ؟.

الحمد لله
أولا : العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أموراً منها : يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة ، ومنها : الاجتماع في ذلك اليوم ، ومنها : الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات .

ثانيا : ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر ، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم ، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد وعيد الأم والعيد الوطني لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله ، وكما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة ، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار ، وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلاً لمصلحة الأمة وضبط أمورها ، وتنظيم مواعيد الدراسة والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك مما لا يفضي به التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة ، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فلا حرج فيه بل يكون مشروعاً .

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

فتاوى اللجنة الدائمة 3/59.


 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
الرد على شبه القائلين بـ : ( عدم بدعية الموال&

سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : قد تعلق بعضهم في هذه البدعة بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لما سئل عن صوم يوم الإثنين قال : ( ذلك يوم وُلدتُ فيه ، وبُعثتُ فيه ، وأُنزلَ عليَّ فيه ) - عليه الصلاة والسلام - ، وهذا لا حجة فيه لأحد لو عقل أهل البدع ، فإنه يدل على شرعية صومه فقط ، وليس فيه الاحتفال بالمولد .

والنبي - صلى الله عليه وسلم - صام الإثنين والخميس ، وقال : ( إنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله ، وإني أحب أن يُعرض عملي وأنا صائم ) .

فصوم يوم الإثنين يوم عظيم ، أنزل الله عليه فيه ، وولد فيه ، وهو يوم تعرض فيه الأعمال على الله - عز وجل - ، فالذي عظمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصوم ، فمن يريد تعظيمه بالصوم فعليه بالصوم كما شرع الله ذلك ، يوم الإثنين يوم فاضل ، ويوم الخميس يوم فاضل ، تعرض فيهما الأعمال على الله - عز وجل - ، فإذا صامه الرجل كما صامه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا حسن ومشروع ؛ لكن أين الاحتفال !؟

هل احتفل به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه !؟

تعظيمه بالصوم الذي شرعه الله ، لا في غيره .

وبعضهم يتعلق بأن النصارى واليهود يعظمون أنبياءهم بالأعياد ، ويقولون : كيف لا نعظم نبينا !؟

وهذا من الجهل الكبير ، نبينا - صلى الله عليه وسلم - حذرنا أن نتشبه بأعداء الله اليهود والنصارى ، ونهانا أن نقلد اليهود والنصارى في أعيادهم وفيما هم عليه من الباطل ، وقال : ( لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه - يحذرنا - قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فَمَنْ !؟ ) .

وفي لفظ : ( قالوا : يا رسول الله ، فارس والروم ؟ قال : فَمَنْ !؟ ) . أي : هم أولئك الذين أحذركم من اتباعهم وتقليدهم .

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - حذرنا من تقليد اليهود والنصارى ، والتشبه بهم في عوائدهم وأعيادهم ، فإذا أوجدوا أعيادًا لعظمائهم أو لأنبيائهم أو لعيسى - عليه الصلاة والسلام - ، فليس لنا أن نقلدهم في باطلهم ، وليس لنا أن نتشبه بهم ، ولا نعمل أعمالهم ، بل نتبرأ من ذلك وننتهي عن ذلك ، ونعلم أنهم قد ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله ، وأن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نقلدهم أو نتشبه بهم .

فالدعوة إلى أن نوجد عيدًا للمولد مثل ما للنصارى معناه : دعوة للتشبه بالنصارى ، ومعناه : دعوة إلى تقليد النصارى وأشباههم من اليهود بما أحييتم من البدع .

هذه حجة داحضة ، وحجة فاسدة ، ما لها مصادمة فيما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمعارضة لما حذر منه - عليه الصلاة والسلام - ، فهو حذرنا أن نتشبه بأعدائنا ، وحذرنا أن نقلد أعداءنا ، فكيف نتشبه بهم في الأعياد ؟!

ثم هذه الأعياد مهما كانت فهي محل الشر والفتن ، ومحل البدع ، ومحل الغلو والإفراط والزيادة في دين الله ، فوجب منعها لكونها بدعة ، ولما يترتب عليها في كثير من الأحيان وفي كثير من البلدان من شرور كثيرة والغلو والإفراط والرأي الباطل .

ورسولنا - عليه الصلاة والسلام - بحمد الله لم يزل يُذكر - عليه الصلاة والسلام - ، ولم يزل يُدعى إلى سنته - عليه الصلاة والسلام - ، ليس في حاجة إلى الاحتفال بالمولد ، فهو لم يُنس حتى يذكر بمولده - عليه الصلاة والسلام - ، مولده يُدرس في المدارس ، والسيرة تُدرس في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد ، لم يُنس - عليه الصلاة والسلام - ، فسيرته وشريعته وأحكامه ودينه كله يُدرس في المدارس وفي المعاهد وفي الكليات وفي المساجد ، يُعلم ويُدرس بين الناس ، وذكره لم يزل في اليوم والليلة ، في الأذان والإقامة والصلوات : أشهد أن محمدًا رسول الله في الأذان خمس مرات في اليوم ، وفي الإقامة خمس مرات كل يوم على رؤوس الأشهاد : أشهد أن محمدًا رسول الله، لم يُنْس بحمد الله ، بل يُذكر على المنابر وفي المساجد وفي الدروس وفي التحيات ، في الصلاة مرتين : الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، وفي الفجر مرة واحدة ، وهو : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله .

فالرسول لن ننساه بحمد الله ، وليس بحاجة إلى إحداث موالد ، إنما يأتي بالموالد من نسي أصحابه ، ونسي من يجعل له مولدًا فيخلد فيه ذكره ، في مولده الذي فعل ، وبدعته التي أحدث ، أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فلا يُنسى بحمد الله ، فالمسلمون يذكرونه ، ويشهدون له بالرسالة ، ويصلون عليه دائمًا - عليه الصلاة والسلام - ، ويتبعون سنته ، بل يعظمون أمره ونهيه ، ويدرِّسون سيرته وشريعته في مساجدهم ومدارسهم ومعاهدهم وحلقات العلم في كل مكان بحمد الله يوجد فيها مسلمون .

هذه نبذة بما يتعلق بالمولد وبدعة المولد ، وليس هذا خاصًا بمولده - صلى الله عليه وسلم - ، بل جميع الموالد كلها بدعة ، من البداية بدعة ، ومما أحدثه الناس أيضًا تقليدًا لأعداء الله : أن بعض الناس يجعلون مولدًا لبنته ، ولأمه ، ولأبيه ، ولنفسه ، ويقول : هذا مولد فلان . ويجعل وليمة ، وعزيمة ، هذا من التأسِّي بالنصارى واليهود ، وهذا لا أصل له ، هذه من البدع المنكرة ، فليس لدينا موالد ، نحتفل بها ولا تعظَّم ، لا للأولياء ، ولا للأنبياء ، ولا لغيرهم ، بل هي مما قلد فيه الناس الأعاجم من النصارى واليهود وأتباعهم .

وعلينا أن نتبع ولا نبتدع ، والله - جل وعلا - يقول : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) . [ التوبة : 100 ] .

هذا جزاء من اتبع الأولين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإحسان ، وسار على نهجهم ، جزاؤه أن الله يرضى عنه ، ويدخله الجنة سبحانه وتعالى .

فعلينا أن نتأسى بهم ، ونسير على نهجهم .

وقال - جل وعلا - : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) . [ الأحزاب : 21 ] .

فنتأسى بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبأتباعه بإحسان من أصحابه - رضي الله عنهم - وأرضاهم ، ومن سار على نهجهم ، وليس لنا أن نحدث في الدين ما لم يأذن به الله ، وليس لنا أن نقلد أعداء الله فيما أحدثوا في دين الله ، بل علينا أن نعظم أمر الله ونهيه ، وعلينا أن نبادر بأمر الله ، وأن ننتهي عن نهي الله ، وندعو الناس إلى دين الله وشريعة الله ، وأن نحذرهم فيما ابتدعه الناس في دين الله من الموالد وغير الموالد ، هذا واجب على أهل العلم والإيمان في كل مكان وزمان .

ولا بد أن منكم من يسمع في الإذاعات بدعًا كثيرة ، نسمع المولد في هذا الشهر ، والاحتفال في أماكن كثيرة ، وتسمعون أيضًا في أوقات أخرى بدعة رجب ؛ الإسراء والمعراج ، وبدعًا أخرى في أوقات أخرى يبتدعها الناس ، فالناس عندهم بدع كثيرة .

فينبغي أن يعلم المؤمن أنه ليس لنا إلا عيدان : عيد الفطر وعيد الأضحى ، هذه أعياد المسلمين : فيها الاجتماع على صلاة وذكر ، وعبادة لله - عز وجل - .

عيد الفطر : بعدما يسر الله لنا صيام رمضان ومنَّ علينا بصيامه وقيامه جاءت صلاة العيد ، والفطر في عيد الفطر شكراً لله - عز وجل - على ما أنعم به سبحانه وتعالى من نعمة الصيام والقيام .

ولنا عيد الأضحى بعدما منَّ الله على المسلمين بحج بيته الحرام ، وما شرع لهم في أيام العيد من الذكر والتكبير ، وما حصل في أيام الحج من إكمال الدين ، وتمام الدين ، حيث أنزل سبحانه في يوم عرفة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) . [ المائدة : 3 ] .

فجائزة النحر شكرًا لله - عز وجل - على ما أنعم به من نعمة الإسلام ونعمة إكمال الدين ، وما شرعه الله لنا في أيام الحج من العبادات ، وفي عشر ذي الحجة من الذكر والتكبير والتعظيم لله عز وجل ، هو عيد مثل الأيام ، وهي أيام الحج كلها أعياد ، كلها أيام ذكر ودعاء ، وأيام تقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، يوم عرفة ، وأيام التشريق كلها عيد للمسلمين ، فيها الاجتماع على طاعة الله ، من الوقوف بـعرفة ، ومزدلفة ، ومن رمي الجمار ، ومن ذبح الهدايا ، ومن ذكر وتكبير ، كلها قربات لله سبحانه وتعالى ، وكلها فضل من الله علينا - جل وعلا - .

أما أعياد جديدة تستحدث وتبتدع فليس لها أصل في دين الله - عز وجل - ، ولا يجوز إقرارها ، ولا الدعوة إليها ، ولا الرضا بها .

والله المستعان . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ونسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه ، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، وأن يعيذنا من البدع جميعًا ، وأن يهدي المسلمين لاتباع سنة نبيه ، والاستقامة على دينه .

والحذر مما أحدثه المحدثون ، والله - جل وعلا - أمرنا بالاستقامة على دينه ، وحذرنا من البدع والمخالفات ، فعلينا أن نستقيم على دينه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) . [ آل عمران : 31 ] .

ويقول سبحانه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) . [ الحشر : 7 ] .

إنه تعالى جواد كريم .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه للشيخ محمد بن إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله
" حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه "

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وآله وصحبه .
أما بعد :
فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، وقد تجاهل محمد مصطفى الشنقيطي ذلك ؛ حيث برر البدعة في مقالته المنشورة في جريدة ( الندوة ) ( عدد 1112 ) الصادر في 7 / 4 / 1383 هـ بأمور :
أحدها : دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات السنين .
الثاني : تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة .
الثالث : قول عمر بن الخطاب في قضية التراويح : ( نعمت البدعة ) .
الرابع : قول عمر بن عبدالعزيز : ( تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ) .
الخامس : دعوى الكاتب : أن في إقامة الاحتفال بالمولد صون عرض المملكة العربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .
فلهذا وجب نقض هذه الشبه التي أتي بها هذا الشخص أولاً ، وبيان حكم المولد ثانياً .
فنقول وبالله التوفيق :
أما دعوى الشنقيطي : أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي ـ وإن كان بدعة ـ فقد تلقته الأمة بالقبول ، فمن أقوى الأدلة على جهالته ؛ لأمور :
أحدها : أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة ، والبدعة في الدين بنص الأحاديث النبوية ضلالة ، فمقتضى كلام الشنقيطي : أن الأمة اجتمعت في قضية الاحتفال بالمولد على ضلالة .
الثاني : أن الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم ، كما بينه الشاطبي في ( الاعتصام ) نقلاً عن بعض مشايخه ، ثم قال :
( ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول : لو كان هذا منكراً لما فعله الناس ) ، ثم قال : ( وما أشبه هذه المسألة بما حُكي عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبدالله ابن إسحاق الجعفري قال : كان عبدالله بن الحسن ـ يعني : ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ـ يكثر الجلوس إلى ربيعة ، فتذاكروا يوماً ، فقال رجل كان في المجلس : ليس العمل على هذا ، فقال عبدالله : أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام أفهم الحجة على السنة ؟ فقال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم " :
( من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناءً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد ، فإنه لم يزل في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة ) ، قال : ( ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين ، فكيف بعمل طوائف منهم ! ) ، قال : ( وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك ، بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم مع ما أٌتوه من العلم والإيمان ، فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة ، أو من قيدته العامة ، أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم ، ولا يعدون من أولي الأمر ، ولا يصلحون للشورى ، ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله ، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة ، أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين ) .
ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الاحتجاج بمثل هذه الحجة ـ وهي دعوى الإجماع على العادات المخالفة للسنة ـ ليس طريقة أهل العلم ؛ لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين ، وذكر أن الاستناد إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا رسوله ليس من طريقة أولي العلم والإيمان ، ثم قال : ( والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال ، وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " : ( ما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها ) . وذكر أن التعلق في تحسين البدع بما عليه الكثير من الناس إنما يقع ممن لم يحكم أصول العلم ؛ فإنه هو الذي يجعل ما اعتاده هو ومن يعرفه إجماعاً ، وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك ويستنكر تركه .
وذكر الشاطبي في " الاعتصام " : أن منشأ الاحتجاج بعمل الناس في تحسين البدع الظن بأعمال المتأخرين وإن جاءت الشريعة بخلاف ذلك ، والوقوف مع الرجال دون التحري للحق .
الأمر الثالث : ما سنذكره عن علماء المسلمين من احتواء الاحتفال بالمولد على المحرمات ، وبيان أن ما لم يحتو على المحرمات منه بدعة .
وأما تقسيم الشنقيطي البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة ، وتمثيله للبدعة الواجبة بنقط حروف القرآن وتشكيلها وبناء مدارس العلم .
فالجواب عنه : أن هذا التقسيم في غاية المناقضة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " ، وفي رواية النسائي : " وكل ضلالة في النار " وروى أصحاب السنن عن العرباض بن سارية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عَضُّو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " : ( لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية ، وهي قوله : " كل بدعة ضلالة " بسلب عمومها ، وهو أن يقال : ليست كل بدعة ضلالة ، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل ) ، وقال : ( إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة ، فلا يعدل عن مقصوده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ) ، وذكر شيخ الإسلام : أن تخصيص عموم النهي عن البدع بغير دليل من كتاب أو سنة أو إجماع لا يقبل ، فالواجب التمسك بالعموم .
وقال الشاطبي في " الاعتصام " في رد تقسيم البدعة إلى أحكام الشرع الخمسة :
( أن ‎هذا التقسيم أمر مخترع ، لا يدل عليه دليل شرعي ) ، قال : ( هو ـ أي : هذا التقسيم ـ في نفسه متدافع ؛ فإن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي ؛ لا من نصوص الشرع ولا من قواعده ، إذ لو كان هناك من الشرع ما يدل على وجوب أو ندب أو إباحة ؛ لما كان ثم بدعة ، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها .
فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متناقضين .
أما المكروه منها والمحرم ؛ فمسلم من جهة كونها بدعاً لا من جهةٍ أخرى ، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته ؛ لم يثبت ذلك كونه بدعة ؛ لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم إلا الكراهية والتحريم ) .
وممن تعقب تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة العلامة زروق في " شرح رسالة القيرواني " ، قال بعد ذكر هذا التقسيم :
( قال المحققون : إنما تدور ـ أي البدعة ـ بين محرم ومكروه ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " وكلام العلماء في رد هذا التقسيم كثير .
وأما التمثيل بنقط المصحف وتشكيله وبناء المدارس للبدعة الواجبة فليس بمسلم ؛ لأن ما ذكر ليس من البدعة في الدين ، فإن نقط المصحف وتشكيله إنما هما لصيانة القرآن من اللحن والتحريف ، وهذا واجب شرعاً .
وأما بناء المدارس للعلم فيقول الشاطبي في " الاعتصام " رداً على التمثيل به للبدعة ما نصه : ( أما المدارس ؛ فلا يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله : بدعة ؛ إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا في المساجد ، وهذا لا يوجد ، بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان ؛ من مسجد ، أو منزل ، أو سفر، أو حضر، أو غير ذلك ، حتى في الأسواق فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعين بإعدادها الطلبة ؛ فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلا من منازله ، أو حائطاً من حوائطه ، أو غير ذلك ، فأين مدخل البدعة ههنا ؟!
وإن قيل : إن البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره ، فالتخصيص هنا ليس بتخصيص تعبدي ، وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعين سائر الأمور المحبسة ) .
وأما استدلال الشنقيطي على أن البدعة في الدين تكون حسنة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضية التراويح : ( نعمت البدعة هذه ) فاستدلال ليس في محله ، فإن عمر لم يقصد بذلك تحسين البدعة في الدين .
قال الشاطبي في " الاعتصام " : ( إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه لا أن هذه بدعة من حيث المعنى ، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي ) ، قال : ( وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه ؛ لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " : ( أما قول عمر : ( نعمت البدعة هذه ) فأكثر المحتجين بهذا ؛ لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه ؛ لقالوا : ( قول الصاحب ليس بحجةٍ ) ، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! ومن اعتقد قول الصاحب حجة ؛ فلا يعتقده إذا خالف الحديث .
فعلى التقديرين : لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب ) .
ثم قال : ( ثم نقول : أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعةً ، مع حسنها ، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية ، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق ، وأما البدعة الشرعية ؛ فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي ) .
ثم قال : ( فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعلٍ ، أو إيجابه بعد موته ، أو دل عليه مطلقاً ، ولم يعمل به إلا بعد موته ، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبوبكر رضي الله عنه ، فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته ، صح أن يسمى بدعة في اللغة ؛ لأنه عمل مبتدأ .
قال : وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعةٍ ضلالة ) لم يرد به كل عمل مبتدأ ؛ فإن دين الإسلام ، بل كل دين جاءت به الرسل ؛ فهو عمل مبتدأ ، وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم ) .
قال : ( وإذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى ، وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا : " إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم ، فصلوا في بيوتكم ، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " ، فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض ، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم ، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم ، فلما كان في عهد عمر ؛ جمعهم على قارئ واحدٍ ، وأسرج المسجد فصارت هذه الهيئة ـ وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمامٍ واحدٍ مع الإسراج ـ عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل ، فسمي بدعةً ؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك ، وإن لم يكن بدعةً شرعيةً ، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض ، وخوف الافتراض زال بموته صلى الله عليه وسلم ، فانتفى المعارض ) .
وقال شيخ الإسلام أيضاً في " الاقتضاء " : ( أما صلاةَ التراويح فليست بدعةً في الشريعة ، بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله ، فإنه قال : " إن الله فرض عليكم صيام رمضان ، وسننت لكم قيامه " ، ولا صلاتها جماعة بدعة ، بل هي سنة في الشريعة ، بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين ، بل ثلاثا.
وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة مرات ، وقال : " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " ، لما قام بهم حتى خشوا ان يفوتهم الفلاح . رواه أهل السنن ، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد .
وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام ، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقاً ، وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم و يقرهم ، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم ) .
وأما استدلال الشنقيطي على استحسان الابتداع في الدين بما عزاه إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال : ( تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ) يقصد الشنقيطي بذلك : القياس ، أي : فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما أحدثوا من الفتور .
فقد أجاب الإمام الشاطبي في " الاعتصام " عن هذا الاستدلال بأمور :
أولها : أن هذا قياس في مقابلة النص الثابت في النهي عن الابتداع ، وهو من باب فساد الاعتبار .
الثاني : أن هذا قياس على نص لم يثبت بعد من طريق مرضي .
الثالث : أن هذا الكلام على فرض ثبوته عن عمر بن عبد العزيز لا يجوز قياس إحداث العبادات عليه ؛ لأن كلام عمر إنما هو في معنى عادي يختلف فيه مناط الحكم الثابت فيما تقدم ؛ كتضمين الصناع ، أو الظنة في توجيه الأيمان دون مجرد الدعاوى ، فيقول : أن الأولين توجهت عليهم بعض الأحكام لصحة الأمانة والديانة والفضيلة ، فلما حدثت أضدادها أختلف المناط ، فوجب اختلاف الحكم ، وهو حكم رادع أهل الباطل عن باطلهم ، فأثر هذا المعنى ظاهر مناسب ، بخلاف ما نحن فيه فإنه على الضد من ذلك ، ألا ترى أن الناس إذا وقع فيهم الفتور عن الفرائض فضلاً عن النوافل ـ وهي ما هي من القلة والسهولة ـ فما ظنك بهم إذا زيد عليهم أشياء أخرى يرغبون فيها ويحضون على استعمالها ، فلا شك أن الوظائف تتكاثر حتى تؤدي إلى أعظم من الكسل الأول وإلى ترك الجميع ، فإن حدث للعامل بالبدعة هو في بدعته أو لمن شايعه فيها فلا بد من كسله عن ما هو أولى ، قال : فصارت هذه الزيادة عائدة على ما هو أولى منها بالإبطال أو الإخلال ، وقد مر أنه ما من بدعة تحدث إلا ويموت من السنة ما هو خير منها .
الرابع : أن هذا القياس مخالف لأصل شرعي ، وهو طلب النبي صلى الله عليه وسلم السهولة والرفق والتيسير وعدم التشديد ، فزيادة وظيفة لم تشرع تظهر ويعمل بها دائماً في مواطن السنن هي تشديد بلا شك ، فليس قصد عمر بن عبد العزيز بهذا الكلام على فرض ثبوته عنه فتح السبيل إلى إحداث البدع .
وقال العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي المالكي في " شرح رسالة القيرواني "
في معنى ( تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ) قال : ( معناه : ما أحدثوا من الفجور مما ليس فيه نص ) ، وقال : قال التقي السبكي في الكتاب الذي ألفه في شأن رافضي جاهر بلعنة أبي بكر الصديق ، وقال فيه : عدو الله ، فقتله القاضي المالكي ، قال في هذه الكلمة بعدما عزاها إلى مالك بن أنس بلفظ : ( يحدث للناس أحكام بقدر ما يحدثون من الفجور ) : لا نقول إن الأحكام تتغير بتغير الزمان ، بل باختلاف الصورة الحادثة ، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها ، فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكماً ، على هذا حمل التقي السبكي هذه الكلمة ، وذكر أنها منطبقة على قضية الرافضي ؛ لكون صورتها مجموعة من إظهار سب الصديق في ملأ من الناس ومجاهرته وإصراره عليه وإعلاء البدعة وغمض السنة ، ونقل السيوطي هذا التأويل عن السبكي في " الحاوي " .
ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة فتح أي باب يناقض الشريعة ، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز فتح باب الابتداع في الدين ، وهو الذي يقول حينما بايعه الناس بعدما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه : ( يا أيها الناس ، إنه ليس بعد نبيكم نبي ، ولا بعد كتابكم كتاب ، ولا بعد سنتكم سنة ، ولا بعد أمتكم أمة ، ألا وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة ، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع ) .
وأما دعوى الشنقيطي : أن عدم احتفال المملكة السعودية بالمولد النبوي يعرضها إلى أن تُـنسب من قبل الدول الأخرى إلى تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وازدرائه حيث تحتفل بغيره ولا تحتفل لمولده ، ويذاع عنها ذلك ، كما يذاع عنها أنها تحرق كتب الصلاة عليه ، فهذا من عندياته ، وذلك لأمور :
أحدها : أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع علمها بأنها لا تحتفل بالمولد النبوي مخافة من الابتداع ، وأقرب شاهد في زماننا هذا على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة ، فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم بما ذكره الشنقيطي ، وكذلك على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وتلك الإشاعات التي يشير إليها الشنقيطي إنما حاول المبطلون التنفير بها عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب . وكان الشيخ يجيب عن كل ذلك بقوله : ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) .
وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أصل ، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب " دلائل الخيرات " بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه من كتاب الله ، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن ، ورغم هذه الافتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل ، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة .
الثاني : أن القائل بـ : أن تارك الاحتفال بالمولد متنقص للنبي صلى الله عليه وسلم ، إن أراد بقوله هذا أن ذلك اعتقاد التارك فقد كذب وافترى ، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي صلى الله عليه وسلم عما يستحقه شرعاً فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة ، وما عليه القرون المشهود لها بالخير فنحاكم كل من يطالبنا بهذا إلى ذلك ، فإن جاء بدليل صحيح صريح ، وإلا فنحن مستمسكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة ) ، وبما روى أبو داود في سننه ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : ( كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها ، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً ) ، ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه .
الثالث : أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء إحياء الذكرى ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله في حقه : ( ورفعنا لك ذكرك ) ( سورة الانشراح : 4 ) ، فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ما جاء به ، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط ، ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه " ‏ذكرى المولد النبوي "‏ قال : ( إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم ـ أي البشر ـ في أمر الدين أو الدنيا ؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس ، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا ، و إنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم ، والنصح له ، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولا ، وملكه إن كان ملكا ، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء ، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل ، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني ، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم ، وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به ، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية.
ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم ، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا ، وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضا ، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل ، فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ ) اهـ .
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ ملحقاً بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل .
* حكم المولد
قسم العلماء الاجتماع الذي يعمل في ربيع الأول ويسمى باسم : المولد إلى قسمين :
أحدهما : ما خلا من المحرمات فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى الكبرى " : أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال : إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي شهر رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال : عيد الأبرار ـ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها .
وقال في " الاقتضاء " : ( إن هذا ـ أي اتخاذ المولد عيداً ـ لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه ) ، وقال : ( ولو كان هذا خيراً محضا ، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص ) .
وقال ابن الحاج في " المدخل " : ( فإن خلا ـ أي المولد ـ منه ـ أي من السماع وتوابعه ـ وعمل طعاما فقط ، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان ، وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط ، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين ، وإتباع السلف أولى ، بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه ، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ، ونحن لهم تبع ، فيسعنا ما وسعهم ، وقد علم ان إتباعهم في المصادر والموارد ، كما قال الشيخ أبو طالب المكي ـ رحمه الله ـ في كتابه .
وقد جاء في الخبر : ( لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً ) ، وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام بسبب ما تقدم ذكره وما يأتي بعد ؛ لأنهم يعتقدون أنهم في طاعة ، ومن لا يعمل عملهم يرون أنه مقصر ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ) اهـ .
وقال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـ : ( الفاكهاني ) في رسالته في المولد المسماة بـ " المورد في عمل المولد " : ( لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة ، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة ، الذين هم القدوة في الدين ، المتمسكون بآثار المتقدمين ، بل هو بِدعة أحدثها البطالون ، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون ، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا : إما أن يكون واجباً ، أو مندوباً ، أو مباحاً ، أو مكروهاً ، أو محرماً .
وهو ليس بواجب إجماعاً ، ولا مندوباً ؛ لأن حقيقة الندب : ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه ، وهذا لم يأذن فيه الشرع ، ولا فعله الصحابة ، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون ـ فيما علمت ـ وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت .
ولا جائز أن يكون مباحاً ؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين .
فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً ، أو حراماً ) .
ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه : هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله ، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام ، ولا يقترفون شيئاً من الآثام ، قال : ( فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة ، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة ، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام ، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة ) اهـ .
ويرى ابن الحاج في " المدخل " : أن نية المولد بدعة ، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بصحيح البخاري ، وعبارته : ( وبعضهم ـ أي المشتغلين بعمل المولد ـ يتورع عن هذا ـ أي سماع الغناء وتوابعه ـ بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك ، هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير ، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد ، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى ، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً ، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها ) .
هذا ما بينه المحققون في هذا النوع من المولد .
وقد حاول السيوطي في رسالته " حسن المقصد في عمل المولد " الرد على ما نقلناه عن الفاكهاني ، لكنه لم يأت بشيء يقوى على معارضة ما ذكره الفاكهاني ؛ فإنه عارضه بأن الاحتفال بالمولد النبوي إنما أحدثه ملك عادل عالم قصد به التقرب إلى الله ، وارتضاه ابن دحية ، وصنف له من أجله كتاباً وهذا ليس بحجة ؛ فإن البدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان بنصوص الأحاديث ، فلا يمكننا أن نعارض الأحاديث المحذرة من الابتداع في الدين بعمل أبي سعيد كوكبري بن أبي الحسن علي بن بكتكين الذي أحدث الاحتفال بالمولد في القرن السادس ، وعدالته لا توجب عصمته .
وقد ذكر ابن خلكان أنه يحب السماع ، وأما ابن دحية فلا يخفى كلام العلماء فيه ، وقد اتهموه بوضع حديث في قصر صلاة المغرب كما في تاريخ ابن كثير .
* وأما القسم الثاني من عمل المولد وهو : المحتوي على المحرمات ، فهذا قد منعه العلماء وبسطوا القول فيه ، وإليك بعض عباراتهم في ذلك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له : ( فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة ، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها ، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق ) .
وقال الفاكهاني في رسالته في المولد : ( الثاني ـ أي من نوعي عمل المولد ـ أن تدخله الجناية ، وتقوى به العناية ، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه ، وقلبه يؤلمه ويوجعه ؛ لما يجد من ألم الحيف ، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى : أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف ، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل ، من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات ، إما مختلطات بهم أو مشرفات ، ويرقصن بالتثني والانعطاف ، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف ، وكذا النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد ، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد ، غافلات عن قوله تعالى : ( إن ربك لبالمرصاد ) ( سورة الفجر : 14 ) .
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان ، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان ، وإنما يَحِلُّ ذلك بنفوس موتى القلوب ، وغير المستقلين من الآثام والذنوب ، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات ، فإن لله وإنا إليه راجعون ، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ . ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه :
قد عرف المنكر واستنكر الـ ـمعروف في أيامنا الصعبة
وصـار أهـل العلم في وهدةٍ وصار أهل الجهل في رتبة
حـادوا عن الحـق فما للذي ساروا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبـرار أهـل التـقى والـدين لما اشتدت الكربة
لا تنكـروا أحوالكـم قد أتت نوبتكـم في زمن الغربـة

قال الفاكهاني : ( ولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول : لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب ، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو ربيع الأول ـ هو بعينه الذي توفي فيه ، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه ، وهذا ما علينا أن نقول ، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول ) .
وقال الشيخ أبو الحسن ابن عبدالله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي في كتابه " المرتبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا " في ترجمة القاضي أبي عبدالله محمد بن عبد السلام المنستيري : ( إن الأمير أبا يحيى استحضره مع الجملة من صدور الفقهاء للمبيت بدار الخلافة والمثول بين يديه ليلة الميلاد الشريف النبوي ، إذ كان قد أراد إقامة رسمه على العادة الغريبة من الاحتفال في الأطعمة وتزيين المحل بحضور الأشراف ، وتخير القوالين للأشعار المقرونة بالأصوات المطربة ، فحين كمل المقصود من المطلوب ، وقعد السلطان على أريكة ملكه ينظر في ترتيبه ، والناس على منازلهم بين قاعد وقائم هز المسمع طاره ، وأخذ يهنؤهم بألحانه ، وتبعه صاحب يراعه كعادته من مساعدته ، تزحزح القاضي أبو عبدالله عن مكانه ، وأشار بالسلام على الأمير ، وخرج من المجلس ، وتبعه الفقهاء بجملتهم إلى مسجد القصر فناموا به ، فظن السلطان أنهم خرجوا لقضاء حاجتهم ، فأمر أحد وزرائه بتفقدهم والقيام بخدمتهم إلى عودتهم ، وأعلم الوزير ـ الموجه لما ذكر ـ القاضي بالغرض المأمور به ، فقال له : أصلحك الله ، هذه الليلة المباركة التي وجب شكر الله عليها ، وجمعنا السلطان ـ أبقاه الله ـ من أجلها لو شهدها نبينا المولد فيها صلوات الله وسلامه عليه لم يأذن لنا في الاجتماع على ما نحن فيه من مسامحة بعضنا لبعض في اللهو ، ورفع قناع الحياء بمحضر القاضي والفقهاء ، وقد وقع الاتفاق من العلماء على أن المجاهرة بالذنب محظورة ، إلا أن تمس إليها حاجة ؛ كالإقرار بما يوجب الحد أو الكفارة ، فليسلم لنا الأمير ـ أصلحه الله ـ في القعود بمسجده هذا إلى الصباح ، وإن كنا في مطالب أُخر من تبعات رياء ودسائس أنفس وضروب غرور ، لكنا كما شاء الله في مقام الاقتداء ، لطف الله بنا أجمعين بفضله . فعاد عند ذلك الوزير المرسل للخدمة الموصوفة إلى الأمير أبي يحيى وأعلمه بالقصة ، فأقام يسيراً وقام من مجلسه ، وأرسل إلى القاضي من ناب عنه في شكره وشكر أصحابه ، ولم يعد إلى مثل ذلك العمل بعد ، وصار في كل ليلة يأمر في صبيحة الليلة المباركة بتفريق طعام على الضعفاء ، وإرفاق الفقراء ؛ شكراً لله . انتهى كلام النباهي .

وقد ذكر ابن الحاج في " المدخل " مما احتوى عليه الاحتفال بالمولد في زمانه ـ فكيف بزماننا هذا ـ ما يلي :
1ـ استعمال الأغاني وآلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة وغير ذلك .
قال ابن الحاج : ( مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات ) ، وذكر ابن الحاج قول القائل :
يا عصبة ما ضر أمة أحمد وسعى إلى إفسادها إلا هي
طار ومزمار ونغمة شادنٍ أرأيت قـط عبادة بملاهي
2 ـ قلة احترام كتاب الله عز وجل ، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني ، ويبتدئون به قصدهم الأغاني .
قال ابن الحاج : ( ولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه ؛ لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو ) ، وقال : ( وهذا غير مقتضى ما وصف الله تعالى به أهل الخشية من أهل الإيمان ؛ لأنهم يحبون سماع كلام مولاهم ؛ لقوله تعالى في مدحهم : ( وإذا سمعوا مآ أٌنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنآ ءامنا فاكتبنا مع الشاهدين ) ( سورة المائدة : 83 ) ، فوصف الله تعالى من سمع كلامه بما ذكر ، وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك ، فإذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي ، فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب ، يعملون أعمال الشيطان ، ويطلبون الأجر من رب العالمين ، ويزعمون أنهم في تعبد وخير ) .
قال : ( ويا ليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس ، ولكن قد عمت البلوى ، فتجد بعض من ينسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله ، وكذلك بعض من ينتسب إلى المشيخة ـ أعني في تربية المريدين ـ وكل هؤلاء داخلون فيما ذكر ، ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسيسة من اللعين ؟ ! ) .
3 ـ الافتتان بالمردان ؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً نظيف الصورة ، حسن الكسوة والهيئة ، أو أحداً من الجماعة الذين يتصنعون في رقصهم ، بل يخطبونهم للحضور ، فمن لم يحضر منهم ربما عادوه ووجدوا في أنفسهم عليه ، وحضوره فتنة ، سيما وهم يأتون إلى ذلك شبه العروس ، لكن العروس أقل فتنة ؛ لأنها ساكنة حيية ، وهؤلاء عليهم العنبر والطيب يتخذون ذلك بين أثوابهم ، ويتكسرون مع ذلك في مشيهم إذ ذاك ، وكلامهم ورقصهم ، ويتعانقون فتأخذهم إ ذاك أحوال النفوس الرديئة من العشق والاشتياق إلى التمتع بما يرونه من الشبان ويتمكن منهم الشيطان ، وتقوى عليهم النفس الأمارة بالسوء ، وينسد عليهم باب الخير سداً .
قال ابن الحاج : ( وقد قال بعض السلف : لأن أؤتمن على سبعين عذراء أحب إليَّ من أن أؤتمن على شاب ، وقوله هذا ظاهر بين ؛ لأن العذراء تمتنع النفوس الزكية ابتداءً من النظر إليها بخلاف الشاب ؛ لما ورد أن النظرة الأولى سهم ، والشاب لا يتنقب ولا يختفي بخلاف العذراء ، والشيطان من دأبه أنه إذا كانت المعصية كبرى أجلب عليها بخيله ورجله ويعمل الحيل الكثيرة ) .
قال ابن الحاج : ( وبعض النسوة يعاين ذلك على ما قد علم من نظرهن من السطوح والطاقات وغير ذلك ؛ فيرينه وسمعنه وهن أرق قلوباً وأقل عقولاً فتقع الفتنة في الفريقين ) .
هذا بعض ما ذكره ابن الحاج من المحرمات التي تحصل في احتفال الرجال بالمولد .
ثم ذكر من المفاسد المتعلقة بالنساء ما يلي :
1 ـ افتتان الرجال بالنساء ؛ لأن بعض الرجال يتطلع عليهن من بعض الطاقات والسطوح ، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن ، وتصفيقهن بالأكف ، وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة العظمى .
2 ـ افتتانهن في الاعتقاد ؛ وذلك لأنهن لا يحضرن للمولد إلا ومعهن شيخه تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما لا يليق ، فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر ؛ لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم والحق من الكذب ، فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات ، ويخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين .
3 ـ خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات هناك من الاختلاط وغيره ، ويذكر ابن الحاج : أن هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر قال : ( إذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت هذه المثالم كلها وكفي الناس أمرها ) ، قال : ( فبسبب ما هناك من البنيان والمساكن وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة ومخالفة الشرع ) ، قال : ( ألا ترى ما قد قيل من العصمة أن لا تجد ، فإذا هَمَّ الإنسان بالمعصية وأرادها وعمل عليها ولم يجد من يفعلها أو وجده ، ولكن لا يجد مكاناً للاجتماع فيه فهو نوع من العصمة ، فكان البنيان في القبور فيه مفاسد : منها : هتك الحريم بخروجهن إلى تلك المواضع ، فيجدون أين يقمن أغراضهن ، هذا وجه ، الثاني : تيسير الأماكن لاجتماع الأغراض الخسيسة ، فتيسير المساكن هناك سبب وتسهيل لوقوع المعاصي هناك .
4 ـ فتح باب الخروج لهن لغير ضرورة شرعية ؛ فإنهم ـ أي : أهل زمانه ـ ضموا لأيام المولد النبوي الثلاثة ، يوم الإثنين لزيارة الحسين ، وجعلوا يوم الأربعاء لزيارة نفيسة ، فالتزمن الزيارة في تلك الأيام لما يقصدن من أغراض ، الله أعلم بها . قال ابن الحاج : ولو حكي هذا عن الرجال لكان فيه شناعة وقبح فكيف به في النساء ؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون .
هذا ما ذكره ابن الحاج في " المدخل " من مفاسد الاحتفالات بالمولد في زمانه بالنسبة لمن يقصدون المولد ، ثم قسم الذين يعملون المولد في ذلك الزمن لا لقصد المولد إلى خمسة أقسام :
أحدها : من له فضة عند الناس متفرقة قد أعطاها لهم في بعض الأفراح والمواسم فيعمل المولد ليستردها ، قال ابن الحاج : فهذا قد اتصف بصفة النفاق ، وهو أنه يظهر خلاف ما يبطن ، إذ ظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة ، وباطنه أنه يجمع به فضته .
الثاني : من يتظاهر من ذوي الأموال بأنه من الفقراء المساكين ، فيعمل المولد لتزيد دنياه بمساعدة الناس له ، فيزداد هذا فساداً على المفاسد المتقدم ذكرها ، ويطلب مع ذلك ثناء الناس عليه بما ليس فيه .
الثالث : من يخاف الناس من لسانه وشره وهو من ذوي الأموال ، فيعمل المولد ليأخذ من الناس الذين يعطونه تقية على أنفسهم وأعراضهم ، قال ابن الحاج : ( فيزداد من الحطام بسبب ما فيه من الخصال المذمومة شرعاً ، وهذا أمر خطر ؛ لأنه زاد على الأول أنه ممن يخاف من شره ، فهو معدود بفعله من الظلمة ) .
الرابع : من يعمل المولد وهو ضعيف الحال ليتسع حاله .
الخامس : من له من الفقراء لسان يخاف منه ويتقى لأجله ، فيعمل المولد حتى يحصل له من الدنيا ممن يخشاه ويتقيه ، حتى أنه لو تعذر عن حضور المولد الذي يفعله أحد معارفه لحل به من الضرر ما يتشوش به ، وقد يؤول ذلك إلى العداوة أو الوقوع في حقه في محافل بعض ولاة الأمور ؛ قاصداً بذلك حط رتبته بالوقيعة فيه أو نقص ماله .. إلى غير ذلك مما يقصده من لا يتوقف على مراعاة الشرع الشريف .
قال ابن الحاج بعد بسط الكلام على هذه المفاسد : ( هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة ، وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس والجن مما يتعذر حصره ، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع وترك الابتداع ، وفقنا الله لذلك بمنه ) .
وذكر ابن الحاج : أن سكوت من سكت من العلماء على إنكار ما ذكر ليس بدليل ؛ لأن الناس كانوا يقتدون أولاً بالعلماء ، فصار الأمر بعد ذلك بالعكس ، وهو : أن من لا علم عنده يرتكب ما لا ينبغي فيأتي العالم فيقتدي به في ذلك ، قال : ( فعمت الفتنة ، واستحكمت هذه البلية ، فلا تجد في الغالب من يتكلم في ذلك ، ولا من يعين على زواله أو يشير إلى ذلك أن ذلك مكروه أو محرم ) اهـ .
وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في " الفتاوى الحديثية " : أن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور لو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع ، وذكر أن ما يوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها ما دامت كذلك ؛ للقاعدة المشهورة المقررة : أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . قال : ( فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم ، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً فربما خيره لا يساوي شره ، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر ، وفطم جميع أنواع الشر ، حيث قال : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " ، فتأمله تعلم ما قررته من أن الشر وإن قلَّ لا يرخص في شيء منه ، والخير يكتفى منه بما تيسر .
هذا ما ذكره أهل العلم في بحث الاحتفال بالمولد النبوي ، ولم يخل عصر من العصور المتقدمة منذ أُحدث من عالم يبين الحق فيه ، ولم يزل المتبصرون من أهل العلم في وقتنا هذا ينكرون ما يقع في تلك الأيام من البدع والمحرمات .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه وسلم
المصدر .
 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
حوار بين الشيخ الالباني رحمه الله وأحد مج&#161

حوار رائع للشيخ الألباني الذي عودنا في نقاشاته و مناظراته مع العلماء و الطلبة و العوام بنفس طويل في المناقشة و قدرة عجيبة على محاصرة الخصم بأسئلة دقيق و و جيزة،

:رحمه الله عليك يا شيخ و صدق من قال لقد كان الشيخ أفضل مناظري القرن،

الشيخ الألباني :
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هل هو خير أم شر ؟

محاور الشيخ :
خير .

الشيخ الألباني :
حسناً ، هذا الخير هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجهلونه ؟

محاور الشيخ :
لا .

الشيخ الألباني :
أنا لا أقنع منك الآن أن تقول لا بل يجب أن تبادر وتقول : هذا مستحيل أن يخفى هذا الخير إن كان خيراً أو غيره على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحن لم نعرف الإسلام والإيمان إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف نعرف خيراً هو لم يعرفه ! هذا مستحيل .

محاور الشيخ :
إقامة المولد النبوي هو إحياء لذكره صلى الله عليه وسلم وفي ذلك تكريم له .

الشيخ الألباني :
هذه فلسفة نحن نعرفها ، نسمعها من كثير من الناس وقرأناها في كتبهم ؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما دعا الناس هل دعاهم إلى الإسلام كله أم دعاهم إلى التوحيد ؟

محاور الشيخ :
التوحيد .

الشيخ الألباني :
أول ما دعاهم للتوحيد ، بعد ذلك فُرضت الصلوات ، بعد ذلك فُرض الصيام ، بعد ذل فُرض الحج ، وهكذا ؛ ولذلك امشِ أنت على هذه السنة الشرعية خطوة خطوة .
نحن الآن اتفقنا أنه من المستحيل أن يكون عندنا خيرٌ ولا يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالخير كله عرفناه من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها كبشان ، وأنا أعتقد أن من شك في هذا فليس مسلماً .
ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تؤيد هذا الكلام : 1. قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما تركتُ شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به )) .
فإذا كان المولد خيراً وكان مما يقربنا إلى الله زُلفى فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه .
صحيح أم لا ؟ أنا لا أريد منك أن توافق دون أن تقتنع بكل حرف مما أقوله ، ولك كامل الحرية في أن تقول : أرجوك ، هذه النقطة ما اقتنعت بها .
فهل توقفت في شيء مما قلتهُ حتى الآن أم أنت ماشٍ معي تماماً ؟

محاور الشيخ :
معك تماماً .

الشيخ الألباني :
جزاك الله خيراً .
إذاً (( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به ))
نحن نقول لجميع من يقول بجواز إقامة هذا المولد :
هذا المولد خيرٌ – في زعمكم - ؛ فإما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه وإما أن يكون لم يدلنا عليه .
فإن قالوا : قد دلنا عليه .
قلنا لهم : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً أبداً .
ونحن قرأنا كتابات العلوي وغير العلوي في هذا الصدد وهم لايستدلون بدليل سوى أن هذه بدعة حسنة !! بدعة حسنة !!
فالجميع سواء المحتفلون بالمولد أو الذين ينكرون هذا الاحتفال متفقون على أن هذا المولد لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة الكرام ولا في عهد الأئمة الأعلام .
لكن المجيزون لهذا الاحتفال بالمولد يقولون : وماذا في المولد ؟ إنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلاة عليه ونحو ذلك .
ونحن نقول : لو كان خيراً لسبقونا إليه .
أنت تعرف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) وهو في الصحيحين . وقرنه صلى الله عليه وسلم هو الذي عاش فيه وأصحابه ،ثم الذين يلونهم التابعون ، ثم الذين يلونهم أتباع التابعين . وهذه أيضاً لا خلاف فيها .
فهل تتصور أن يكون هناك خير نحن نسبقهم إليه علماً وعملاً ؟ هل يمكن هذا ؟

محاور الشيخ :
من ناحية العلم لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن كان معه في زمانه إن الأرض تدور ...

الشيخ الألباني :
عفواً ، أرجو عدم الحيدة ، فأنا سألتك عن شيئين علم وعمل ، والواقع أن حيدتك هذه أفادتني ، فأنا أعني بطبيعة الحال بالعلم العلم الشرعي لا الطب مثلاً ؛ فأنا أقول إن الدكتور هنا أعلم من ابن سينا زمانه لأنه جاء بعد قرون طويلة وتجارب عديدة وعديدة جداً لكن هذا لا يزكيه عند الله ولا يقدمه على القرون المشهود لها ؛ لكن يزكيه في العلم الذي يعلمه ، ونحن نتكلم في العلم الشرعي بارك الله فيك . فيجب أن تنتبه لهذا ؛ فعندما أقول لك : هل تعتقد أننا يمكن أن نكون أعلم ؛ فإنما نعني بها العلم الشرعي لا العلم التجربي كالجغرافيا والفلك والكيمياء والفيزياء . وافترض مثلاُ في هذا الزمان إنسان كافر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم لكن هو أعلم الناس بعلم من هذه العلوم هل يقربه ذلك إلى الله زُلفى ؟

محاور الشيخ :
لا .

الشيخ الألباني :
إذاً نحن لانتكلم الآن في مجال ذلك العلم بل نتكلم في العلم الذي نريد أن نتقرب به إلى الله تبارك وتعالى ، وكنا قبل قليل نتكلم في الاحتفال بالمولد ؛ فيعود السؤال الآن وأرجو أن أحضى بالجواب بوضوح بدون حيدة ثانية .
فأقول هل تعتقد بما أوتيت من عقل وفهم أنه يمكننا ونحن في آخر الزمان أن نكون أعلم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين في العلم الشرعي وأن نكون أسرع إلى العمل بالخير والتقرب إلى الله من هؤلاء السلف الصالح ؟

محاور الشيخ :
هل تقصد بالعلم الشرعي تفسير القرآن ؟

الشيخ الألباني :
هم أعلم منا بتفسير القرآن ، وهم أعلم منا بتفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، هم في النهاية أعلم منا بشريعة الإسلام .

محاور الشيخ :
بالنسبة لتفسير القرآن ربما الآن أكثر من زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فمثلاً الآية القرآنية ((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)) (النمل:88) فلو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد في زمانه إن الأرض تدور هل كان سيصدقه أحد ؟! ما كان صدقه أحد .

الشيخ الألباني :
إذاً أنت تريدنا – ولا مؤاخذة – أن نسجل عليك حيدةً ثانية . يا أخي أنا أسأل عن الكل لا عن الجزء ، نحن نسأل سؤالاً عاماً :
الإسلام ككل من هو أعلم به ؟

محاور الشيخ :
طبعاُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته .

الشيخ الألباني :
هذا الذي نريده منك بارك الله فيك .
ثم التفسير الذي أنت تدندن حوله ليس له علاقة بالعمل ، له علاقة بالفكر والفهم . ثم قد تكلمنا معك حول الآية السابقة وأثبتنا لك أن الذين ينقلون الآية للاستدلال بها على أن الأرض تدور مخطؤون لأن الآية تتعلق بيوم القيامة (( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) .
لسنا على كل حال في هذا الصدد .
وأنا أسلِّم معك جدلاً أنه قد يكون رجلاً من المتأخرين يعلم حقيقة علمية أو كونية أكثر من صحابي أو تابعي الخ ؛ لكن هذا لا علاقة له بالعمل الصالح ؛ فاليوم مثلاً العلوم الفلكية ونحوها الكفار أعلم منا فيها لكن مالذي يستفيدونه من ذلك ؟ لاشيء . فنحن الآن لا نريد أن نخوض في هذا اللاشيء ، نريد أن نتكلم في كل شيء يقربنا إلى الله زلفى ؛ فنحن الآن نريد أن نتكلم في المولد النبوي الشريف .
وقد اتفقنا أنه لو كان خيراً لكان سلفنا الصالح وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم به منا وأسرع إلى العمل به منا ؛ فهل في هذا شك ؟

محاور الشيخ :
لا ، لا شك فيه .

الشيخ الألباني :
فلا تحد عن هذا إلى أمور من العلم التجريبي لا علاقة لها بالتقرب إلى الله تعالى بعمل صالح .
الآن ، هذا المولد ما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم - باتفاق الكل – إذاً هذا الخير ماكان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ،
كيف خفي هذا الخير عليهم ؟!
لابد أن نقول أحد شيئين :
علموا هذا الخير كما علمناه – وهم أعلم منا – ، أو لم يعلموه ؛ فكيف علمناه نحن ؟!
؛ فإن قلنا : علموه ؛ - وهذا هو القول الأقرب والأفضل بالنسبة للقائلين بمشروعية الاحتفال بالمولد - فلماذا لم يعملوا به ؟! هل نحن أقرب إلى الله زلفى ؟! –
لماذا لم يُخطيء واحدٌ منهم مرة صحابي أو تابعي أو عالم منهم أو عابد منهم فيعمل بهذا الخير ؟!
هل يدخل في عقلك أن هذا الخير لا يعمل به أحدٌ أبداً ؟! وهم بالملايين ، وهم أعلم منا وأصلح منا وأقرب إلى الله زُلفى ؟!
أنت تعرف قول الرسول صلى الله عليه وسلم _ فيما أظن _ :
(( لا تسبوا أصحابي ؛ فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفَهُ )) .
أرأيت مدى الفرق بيننا وبينهم ؟!
لأنهم جاهدوا في سبيل الله تعالى ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلقوا العلم منه غضاً طرياً بدون هذه الوسائط الكثيرة التي بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم ، كما أشار صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا المعنى في الحديث الصحيح :
(( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأهُ على قراءة ابن أم عبد )) يعني عبد الله بن مسعود .
" غضاً طرياً " يعنى طازج ، جديد .
هؤلاء السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم لايمكننا أن نتصور أنهم جهلوا خيراً يُقربهم إلى الله زلفى وعرفناه نحن وإذا قلنا إنهم عرفوا كما عرفنا ؛ فإننا لا نستطيع أن نتصور أبداً أنهم أهملوا هذا الخير .
لعلها وضحت لك هذه النقطة التي أُدندنُ حولها إن شاء الله ؟

محاور الشيخ :
الحمد لله .
الشيخ الألباني :
جزاك الله خيراً .
هناك شيء آخر ، هناك آيات وأحاديث كثيرة تبين أن الإسلام قد كَمُلَ _ وأظن هذه حقيقة أنت متنبه لها ومؤمن بها ولا فرق بين عالم وطالب علم وعامِّي في معرفة هذه الحقيقة وهي : أن الإسلام كَمُلَ ، وأنه ليس كدين اليهود والنصارى في كل يوم في تغيير وتبديل .
وأذكرك بمثل قول الله تعالى : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً))
الآن يأتي سؤال : وهي طريقة أخرى لبيان أن الاحتفال بالمولد ليس خيراً غير الطريقة السابقة وهي أنه لو كان خيراً لسبقونا إليه وهم – أي السلف الصالح – أعلم منا وأعبد .
هذا المولد النبوي إن كان خيراً فهو من الإسلام ؛ فنقول : هل نحن جميعاً من منكرين لإقامة المولد ومقرِّين له هل نحن متفقون - كالاتفاق السابق أن هذا المولد ماكان في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم – هل نحن متفقون الآن على أن هذا المولد إن كان خيراً فهو من الإسلام وإن لم يكن خيراً فليس من الإسلام ؟
ويوم أُنزلت هذه الآية : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) لم يكن هناك احتفال بالمولد النبوي ؛ فهل يكون ديناً فيما ترى ؟
أرجو أن تكون معي صريحاً ، ولا تظن أني من المشائخ الذين يُسكِّتون الطلاب ، بل عامة الناس : اسكت أنت ما تعلم أنت ما تعرف ، لا خذ حريتك تماماً كأنما تتكلم مع إنسان مثلك ودونك سناً وعلماً . إذا لم تقتنع قل : لم أقتنع .
فالآن إذا كان المولد من الخير فهو من الإسلام وإذا لم يكن من الخير فليس من الإسلام وإذا اتفقنا أن هذا الاحتفال بالمولد لم يكن حين أُنزلت الآية السابقة ؛ فبديهي جداً أنه ليس من الإسلام .
وأوكد هذا الذي أقوله بأحرف عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس : قال :
" من ابتدع في الإسلام بدعة – لاحظ يقول بدعة واحدة وليس بدعاً كثيرة – يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " .
وهذا شيء خطير جدا ً ، ما الدليل يا إمام ؟
قال الإمام مالك : اقرؤا إن شئتم قول الله تعالى :
((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً))
فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً . انتهى كلامه .
متى قال الإمام مالك هذا الكلام ؟ في القرن الثاني من الهجرة ، أحد القرون المشهود لها بالخيرية !
فما بالك بالقرن الرابع عشر ؟!
هذا كلامٌ يُكتب بماء الذهب ؛ لكننا غافلون عن كتاب الله تعالى ، وعن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أقوال الأئمة الذين نزعم نحن أننا نقتدي بهم وهيهات هيهات ، بيننا وبينهم في القدوة بُعد المشرقين .
هذا إمام دار الهجرة يقول بلسانٍ عربيٍ مبين : "فمالم يكن يومئذٍ ديناً ؛ فلا يكون اليوم ديناً".
اليوم الاحتفال بالمولد النبوي دين ، ولولا ذلك ما قامت هذه الخصومة بين علماء يتمسكون بالسنة وعلماء يدافعون عن البدعة .
كيف يكون هذا من الدين ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا في عهد التابعين ولا في عهد أتباع التابعين ؟!
الإمام مالك من أتباع التابعين ، وهو من الذين يشملهم حديث :
(( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) .
يقول الإمام مالك : " ما لم يكن حينئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً ، ولا يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أولها " .
بماذا صلح أولها ؟ بإحداث أمور في الدين والُتقرب إلى الله تعالى بأشياء ما تقرب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
والرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل :
(( ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الى الله إلى وأمرتكم به )) .
لماذا لم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحتفل بمولده ؟! هذا سؤال وله جواب :
هناك احتفال بالمولد النبوي مشروع ضد هذا الاحتفال غير المشروع , هذا الاحتفال المشروع كان موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعكس غير المشروع ،مع بَون شاسع بين الاحتفالين :
أول ذلك : أن الاحتفال المشروع عبادة متفق عليها بين المسلمين جميعاً .
ثانياً : أن الاحتفال المشروع يتكرر في كل أسبوع مرة واحتفالهم غير المشروع في السنة مرة .
هاتان فارقتان بين الاحتفالين : أن الأول عبادة ويتكرر في كل أسبوع بعكس الثاني غير المشروع فلا هو عبادة ولا يتكرر في كل أسبوع .
وأنا لا أقول كلاماً هكذا ما أنزل الله به من سلطان ، وإنما أنقل لكم حديثاً من صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن أبي قتادة الأنصاري قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله : ما تقول في صوم يوم الإثنين ؟
قال (( ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه ، وأُنزل القرآن عليَّ فيه .))
ما معنى هذا الكلام ؟
كأنه يقول : كيف تسألني فيه والله قد أخرجني إلى الحياة فيه ، وأنزل عليَّ الوحي فيه ؟!
أي ينبغي أن تصوموا يوم الاثنين شكراً لله تعالى على خلقه لي فيه وإنزاله الوحي عليَّ فيهِ .
وهذا على وزان صوم اليهود يوم عاشوراء ، ولعلكم تعلمون أن صوم عاشوراء قبل فرض صيام شهر رمضان كان هو المفروض على المسلمين .
وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ؛ فسألهم عن ذلك ؛ فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنده فصمناه شكراً لله ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : (( نحن أحق بموسى منكم )) فصامه وأمر بصومه فصار فرضاً إلى أن نزل قوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه)) .
فصار صوم عاشوراء سنة ونسخ الوجوب فيه .
الشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شارك اليهود في صوم عاشوراء شكراً لله تعالى أن نجى موسى من فرعون ؛ فنحن أيضاً فَتَح لنا باب الشكر بصيام يوم الاثنين لأنه اليوم الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واليوم الذي أُوحي إليه فيه .
الآن أنا أسألك : هولاء الذين يحتفلون بالمولد الذي عرفنا أنه ليس إلى الخير بسبيل أعرف ان كثيراً منهم يصومون يوم الاثنين كما يصومون يوم الخميس ؛ لكن تُرى أكثر المسلمين يصومون يوم الاثنين ؟
لا ، لا يصومون يوم الاثنين ، لكن أكثر المسلمين يحتفلون بالمولد النيوي في كل عام مرة ! أليس هذا قلباً للحقائق ؟!
هؤلاء يصدق عليهم قول الله تعالى لليهود :
((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))
هذا هو الخير : صيام متفق عليه بين المسلمين جميعاً وهو صيام الاثنين ومع ذلك فجمهور المسلمين لا يصومونه !!
نأتي لمن يصومه وهم قلة قليلة : هل يعلمون السر في صيامه ؟ لا لا يعلمون .
فأين العلماء الذين يدافعون عن المولد لماذا لا يبينون للناس أن صيام الاثنين هو احتفال مشروع بالمولد ويحثونهم عليه بدلاً من الدفاع عن الاحتفال الذي لم يُشرع ؟!!
وصدق الله تعالى ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :
(( للتتبعنَّ سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ))
وفي رواية أخرى خطيرة (( حتى لو كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق لكان فيكم من يفعل ذلك )) .
فنحن اتبعنا سنن اليهود ؛ فاستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، كاستبدالنا المولد النبوي الذي هو كل سنة وهو لا أصل له بالذي هو خير وهو الاحتفال في كل يوم اثنين وهو احتفال مشروع بأن تصومه مع ملاحظة السر في ذلك وهو أنك تصومه شكراً لله تعالى على أن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وأنزل الوحي فيه .
وأختم كلامي بذكر قوله صلى الله عليه وسلم :
(( أبى الله أن يقبل توبة مبتدع )) .
والله تعالى يقول : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))

محاور الشيخ :
قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أليس تكريماً له ؟

الشيخ الألباني :
نعم

محاور الشيخ :
فيه ثواب هذا الخير من الله ؟

الشيخ الألباني :
كل الخير . ما تستفيد شيئاً من هذا السؤال ؛ ولذلك أقاطعك بسؤال : هل أحد يمنعك من قراءة سيرته ؟

أنا أسألك الآن سؤالاً : إذا كان هناك عبادة مشروعة ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما وضع لها زمناً معيناً ، ولا جعل لها كيفية معينة ؛ فهل يجوز لنا أن نحدد لها من عندنا زمناً معيناً ، أو كيفية معينة ؟ هل عندك جواب ؟

محاور الشيخ :
لا، لا جواب عندي .

الشيخ الألباني :
قال الله تعالى : ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ))
وكذلك يقول الله تعالى :
((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) التوبة:31
(( لما سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه هذه الآية – وقد كان قبل إسلامه نصرانياً – أشكلت عليه فقال: إنا لسنا نعبدهم قال: ( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلّون ما حرم الله، فتحلونه؟) ، فقال: بلى. قال : ( فتلك عبادتهم))).
وهذا يبيِّن خطورة الابتداع في دين الله تعالى .

مفرغ مع بعض الاختصار من أحد اشرطة سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني رحمه الله تعالى . رقم الشريط 94/1
 
Top