رؤية الله تعالى خلاصة مختصرة

saad640

أحفظ الله يحفظك
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد ،،


فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ،-كما عند مسلم – قوله : ((... واعلموا انه لن يرى أحد منكم ربه حتى **
يموت .))
دل هذا الحديث على أن الله جل وعلا لن يُرى في الدنيا، نقل الإجماع على ذلك جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام – رحم الله الجميع - .

والكلام هنا متعلق بنفي الوقوع الشرعي،وليس نفيا للإمكان العقلي، حيث إن رؤية الرب سبحانه ممكنة عقلا، دل على ذلك قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام، وسؤاله ربه أن يريه نفسه : (( قال رب أرني أنظر إليك )) وانتفت الرؤية من جهة الوقوع – في الدنيا - بقوله تعالى (( إنك لن تراني)) وكذا بالحديث الآنف الذكر :
(( .. واعلموا أنه لن يرى أحد منكم بره حتى يموت )) ..

** اختلف أهل العلم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم – خاصة – لربه جل وعلا، وذلك في حادثة المعراج،عند قوله تعالى ((ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى )) حيث وقع الخلاف ،هل المراد بمن رآه النبيُ عليه الصلاة والسلام هو رب العزة جل وعلا، أم هو جبريل عليه السلام،والصحيح الثاني، دل على ذلك حديث أبي ذر – رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال: (( نورٌ أنّى أراه )) ..
وفي رواية : (( رأيت نورا )) ..

ويقويه – أيضا - حديث : (( رأيت جبريل له ستماية جناح وقد سد الأفق )) ..

** والمتقرر أن حديث أبي ذر، والذي فيه قوله عليه الصلاة والسلام : (( نور أنّى أراه )) كان في سياق حادثة المعراج، فإذا عُلم ذلك، فليعلم أنه لا يصح نصب المعارضة بين هذا الحديث وبين حديث ابن عباس، وأم الطفيل والذي فيه قوله عليه الصلاة والسلام : (( رأيت ربي الليلة في أحسن صورة )) حيث إن هذا الحديث كان رؤيا منام في المدينة كما هو معلوم، فأم الطفيل لم ترو عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا في المدينة، وحادثة المعراج وقعت في مكة اتفاقا، فليس المنفي في حديث أبي ذر: (( نور أنّى أراه )) هو نفسه المثبت في حديث ابن عباس وأم الطفيل : (( رأيت ربي الليلة في أحسن صورة )) فهذا حديث وذاك حديث،وكل منهما وقع في حادثة مستقلة عن الأخرى،هذا أمر ينبغي أن لا يغيب عن البال ..

** من أثبت من الصحابة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المعراج، إنما أراد الرؤية القلبية،كما نُقل ذلك عن ابن عباس وغيرة – رضي الله عن الجميع - ومن نفاها كعائشة – رضي الله عنها – إنما أراد الرؤية البصرية،- كما ذكر الحافظ - فالقول متفق غير مفترق ولله الحمد، وعلى فرض أن الخلاف في المسألة حقيقي،فلا يخرج ذلك – في هذه المسألة – عن كونه خلافا بين أهل العلم و الإيمان، والذي تدل عليه عمومات الأدلة وإطلاقاتها – المعتبرة - ،فلكل وجهه المعتبر، والمحترم ..

** لا يتعارض حديث : (( رأيت ربي الليلة في أحسن صورة .. )) مع حديث (( .. واعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت )) فالمُثبت في الحديث الأول هي رؤيا المنام، والمنفي في الحديث الثاني هي رؤيا العيان .
يقول شيخ الإسلام – رحمه الله – ((3|389)) : وبالجملة، أن كل حديث فيه : [ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه في الأرض ] وفيه : [ أنه نزل له إلى الأرض ] وفيه : [ أن رياض الجنة من خطوات الحق ] وفيه : [ أنه وطئ على صخرة بيت المقدس ] كل هذا كذب باطل باتفاق علماء المسلمين من أهل الحديث وغيرهم .. اهـ
** وعلى هذا : فقد يرى المؤمن ربه في منامه على صورة حسنة،وذلك بحسب إيمانه ويقينه، إذ ليست رؤيا الرب جل وعلا في المنام خاصة به عليه الصلاة والسلام،فكلما كان الإيمان أكمل وأتم، كانت الصورة أجمل وأحسن، لذلك كانت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام أحسن صورة،، يقول شيخ الإسلام – رحمه الله – ((3|390)) : " وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة ، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه ، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ، ولها تعبير وتأويل ، لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق .. اهــ

** ينبغي التفريق في هذا الباب بين رؤيا المنام، والرؤيا القلبية،فرؤيا المنام سبق بيان معناها،والرؤيا القلبية هي ما يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ، واليقين به، وبأسمائه وصفاته جل وعلا ..

يقول شيخ الإسلام – رحمه الله – (( 3|389)) " لكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب ومشاهدتها وتجلياتها هو على مراتب كثيرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال : الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لك تكن تراه فإنه يراك . اهـ

** من ضلال أهل التصوف ظنهم أن ما يقع في عقولهم وقلوبهم من رؤية الله جل وعلا في حال اصطلامهم، وفنائهم، هو حقيقة صفاته سبحانه التي وصف بها نفسه ،وهذا القدر هو المستنكر حين الكلام في هذا الباب ..
والله سبحانه أعلم وأحكم ، والحمد لله رب العالمين ..​
 
Top