MUHAMM7D
Muslim
عقيدة السلف أصحاب الحديث
أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني الشافعي (توفي سنة 449هـ)
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على بينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجها إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولا في أصول الدين التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين، وهدوا ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين، ووالوا في اتباعها وعادوا فيها، وبدّعوا وكفّروا من اعتقد غيرها، وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها، وحملهم إياهم عليها، فاستخرت الله تعالى وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار، رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار، والله سبحانه يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله.
قلت وبالله التوفيق.
[عقيدة أصحاب الحديث]
أصحاب الحديث - حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم - يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلت العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون:إنه خلق آدم بيده، كما نص سبحانه عليه في قوله- عز من قائل: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيدي) ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة الجهمية، أهلكهم الله، ولا يكيفونهما - بكيف أو شبهها - بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة- خذلهم الله - وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف، ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . وكما ورد القرآن بذكر اليدين بقوله : ( لما خلقت بيدي ) وقوله : ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) ووردت الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد كخبر محاجة موسى وآدم وقوله له : ( خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ) ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي كمن قلت له : كن فكان ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خلق الله الفردوس بيده )
[قولهم في الصفات]
وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح - من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام ، والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك وغيرها - من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر مستنكر ، ويجرون على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب).