مقصد الكفار من رمي الأنبياء بالسحر

noor aldeen

Junior Member
:salam2:
مقصد الكفار من رمي الأنبياء بالسحر



* الدكتور يوسف بن مصطفى مشعل

كان ليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم موقف معاد لدعوته، فقد اتهموه عنادا وحسدا من عند أنفسهم، علما أن ما جاء به مصدق لما معهم من كتاب وهو التوراة، قال تعالى: «وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين» سورة الصف آية 6.
ولكنهم رغم تأكدهم من صدقه صلى الله عليه وسلم إلا أنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم «واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر» البقرة 102، فالوارد في هذه الآية يظهر بأن فريقا من الناس في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أشربوا حب السحر، واتهموا النبي بأنه ساحر وأن ما جاء به سحر كما قاموا باتهام موسى وعيسى، قال تعالى: «فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون» القصص
48، فالسحر الأول في هذه الآية التوراة التي نزلت على موسى، والسحر الثاني في زعمهم الباطل القرآن الذي نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
وبهذا اعتبر أعداء الله أن ما أنزل على أنبياء الله هو ضرب من السحر، ما حملهم على ذلك إلا الجهل والعناد والحسد، وكذلك قولهم في عيسى بن مريم عليه السلام، قال تعالى: «وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين» المائدة 101.
إن هذه الآية وغيرها من الآيات المتضمنة اتهام الأنبياء بالسحر وأن ما جاؤوا به سحر، يدل على مدى تعلق عقول القوم به، وأنه من السهل عليهم رمي الحق الصريح بالسحر تخلصا منه، ورغم أنه جاء لإسعادهم في الدنيا والآخرة وهدايتهم إلى صراط مستقيم إلا أنهم زعموا بأنه سحر، قال تعالى: «وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين» الأحقاف 7.
وكان مقصدهم صرف الناس عن دعوة الأنبياء والحيلولة دون استجابتهم لدعوة الحق، فاتهموهم بشبهة السحر حيث يقلل هذا الأمر من شأن الوحي والرسالات السماوية، ولهذا فإن اليهود كانوا قد نبذوا الكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله واتبعوا السحر، وكان مقصدهم أخذ موقف العداء من دعوة الأنبياء والرسل، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب (آصف) - كاتب سليمان- وسحر هاروت وماروت، وزعموا أن نبي الله سليمان كان ساحرا، انظر تفسير (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي ج2 ص36، فرد عليهم القرآن الكريم بقوله: «وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر..» البقرة 102، فاليهود نسبت لسليمان السحر، فنفاه الله عنه ونسبه لليهود بسبب تعلمهم السحر.
أما فرعون فأرسل الله له موسى عليه السلام وأمره بتبليغ رسالة ربه، لكن فرعون أبى واستكبر لأنه كان يرى في نفسه أنه الرب، قال تعالى: «فحشر فنادى* فقال أنا ربكم الأعلى» النازعات 23،24، وهدد فرعون موسى لكن موسى أجابه: «أولوجئتك بشيء مبين» فقال فرعون: «فائت به إن كنت من الصادقين» فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان حقيقي يتحرك، وهذه الآية ما زادت فرعون إلا عنادا واستكبارا فاتهم فرعون موسى بالسحر العظيم، وأشاعوا هذا الخبر بين الناس، وأن موسى يريد أن يخرج أهل مصر من أرضهم بسحره، وحقيقة الأمر ان ما جاء به موسى عليه السلام هو آية من الله لصدق دعوته، بعكس ما حصل من السحرة عندما ألقوا حبالهم وعصيهم مكان تمويه وتخييل يتعلق بأعين الناس، قال تعالى: «سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم» الأعراف 116.
فكان رد موسى على سحر السحرة ما جاء في قول الله عز وجل: «قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين* ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون» يونس 81-82.
فكان مقصد فرعون بجمعه لسحرته وتحديهم لموسى عليه السلام أن يبطل ما جاء به ويظهر للناس أنه ساحر كي لا يؤمنوا به ويناصبوا دعوته العداء، فانقلب سحر فرعون عليه، وبخاصة حينما خضع السحرة لقضية الإيمان بالله ورسوله موسى، معرضين عن اتهام فرعون لهم بأن موسى كبيرهم الذي علمهم السحر، ومعرضين عن تهديدهم بالقتل والصلب، لأن الإيمان إذا وقر في القلب واستقر فيه هانت على صاحبه كل التهديدات والعقوبات، فهتفوا جميعا متحدين فرعون وجنده بقوله سبحانه وتعالى: «قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى» طه 72-73.
[email protected]
 
Top